(٢) صحيح البخاري (٣٥٠)، وصحيح مسلم (٦٨٥)، وقد رُوِيَ الحديث بأكثر من لفظ: فرُوِيَ بلفظ: (فرضت الصلاة) على البناء للمجهول، وهي رواية الأكثر. ورُوِيَ بلفظ: (فرض الله الصلاة … ) ورُوِيَ بلفظ: (فرض رسول الله الصلاة … ). وليس بين هذه الروايات اختلاف في المعنى، لأن الحديث إن بني للمعلوم أو بني للمجهول فلا فارض إلا الله، وإضافته إلى رسول الله ﷺ -باعتباره المبلغ عن ربه، ورواية الحديث بالمعنى لا يقدح في أصل الحديث، وقد رجح الحافظ ابن عبد البر في التمهيد أن المحفوظ في الحديث على البناء للمجهول، انظر التمهيد (١٦/ ٢٩٣). وبعض الرواة يزيد: (إلا المغرب … ). وبعضهم: (إلا المغرب لأنها وتر النهار، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة). وزاد بعض الرواة التصريح بأن الزيادة في صلاة الحضر كانت في المدينة بعد الهجرة، وهذه الزيادات قد تفرد بها بعض الرواة، وهي التي يمكن للباحث أن ينظر فيها، وهي لا تؤثر على أصل الحديث، وأنه محفوظ. وحاول بعضهم تضعيفه بالاضطراب لهذا الاختلاف. وعارضه بعضهم بحديث ابن عباس في مسلم (٦٨٧): (إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم ﷺ -على المسافر ركعتين، وعلى المقيم أربعًا، وفي الخوف ركعة). ويمكن الجمع بين الحديثين بأن حديث عائشة أخبرت أن أصل الصلاة ركعتان، ولكن زِيدَ في صلاة الحضر، فلما استقر ذلك صح أن يقال: إن فرض صلاة الحضر أربعًا كما قاله ابن عباس. وبعضهم حاول أن يرد الحديث من جهة المتن بأمور: منها: أن عامة العلماء على جواز الإتمام في السفر، وأن القصر رخصة، وليس عزيمة، وأجيب بأن هذا كلام في الفقه، وليس في الرواية، وهي مسألة خلافية. ومنها: أن عائشة قد أتمت في السفر، فخالفت ما روت، والراوي أعلم بما روى. وهذه مسألة تنازع فيها العلماء، فبعضهم يرى الحجة في رواية الراوي، لا في رأيه. ومنها: أن الحديث ليس على ظاهره، فالمغرب والصبح لم يزد فيهما ولم ينقص. ويجاب: بأن المراد بالحديث الصلوات التي تقصر. ومنها: أنه من قول عائشة، وليس مرفوعًا، ولم تحضر فرض الصلاة. وأجيب: بأن له حكم الرفع؛ لأنه مما لا مجال فيه للرأي، وغايته أن يكون من مراسيل الصحابة، وهي حجة. وسوف أخرج الحديث وأبين إن شاء الله حكم تلك الزيادات الواردة في الحديث في موضعه عند الكلام على حكم القصر في الصلاة، بلغني الله ذلك بمنه وتوفيقه.