للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الصلاة، وإن كان نقل ابن نجيم من المجتبى مطلق، لم يقيد بشيء، ولعل التقييد أولى.

ووجهه: أن ذلك من قبيل تقديم الظاهر على الأصل؛ لأن الظاهر أن من دخل في الصلاة حتى أدى ركنًا من أركانها أنه لا يدخل فيها إلا وقد كبَّر؛ لأن الظاهر من أفعال المكلفين أن تقع على وجه الكمال، وليس من عادة المصلي استفتاح الصلاة بلا تكبير، ونسيان تكبيرة الإحرام من النادر جدًّا، والنادر لا حكم له، فإذا شك بعد أن أدى ركنًا، تعارض هذا الظاهر، مع الأصل فالأصل أن من شك في فعل شيء أنه لم يفعله.

والفقهاء يقدمون الأقوى منهما، فأحيانًا يكون الظاهر أقوى، وأحيانًا يكون الأصل أقوى، وليس في ذلك عادة مطردة (١).

قال ابن رجب في القواعد في تعارض الأصل والظاهر: «إذا شك بعد الفراغ من الصلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن منها، فإنه لا يلتفت إلى الشك، وإن كان الأصل عدم الإتيان به، وعدم براءة الذمة، لكن الظاهر من أفعال المكلفين للعبادات أن تقع على وجه الكمال، فيرجح هذا الظاهر على الأصل» (٢).

وأما المالكية فلهم تفصيل انفردوا به عن الجمهور، فإذا شك في تكبيرة


(١) الأصل غالبًا ما يستمد من الأدلة الشرعية، وما يوافقها من الأدلة العقلية، ولذلك فإن العلماء يقولون: لا أصل في شيء إلا ما أصَّلَه الشرع بتبيان حكمه، وإيضاح الدليل عليه من حلٍّ، أو تحريمٍ، ووجوب أو ندب، أو كراهة، كقولك: الأصل في البيوع الإباحة، وفي المياه الطهارة، وفي الفروج التحريم، فتكون الأصول لها صفة الثبوت، لا تتبدل.
وأما الظاهر: فكثيرًا ما يستمد من الأمور المشاهدة والمحسوسة، وهي الأمور التي يعبر عنها العلماء بالعادات الغالبة، أو الأعراف السائدة، أو القرائن الدالة على شيء معين، ولهذا فهي قابلة للتغير والتبدل، انظر الفروق بين الأصل والظاهر في كتابي موسوعة أحكام الطهارة، الطبعة الثالثة (١/ ٤٠١).
(٢) القواعد (ص: ٣٤٠).
ويقول ابن رجب (ص: ٣٣٨): إذا تعارض الأصل والظاهر فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعًا، كالشهادة، والرواية، والإخبار، فهو مقدم على الأصل بغير خلاف، وإن لم يكن كذلك، بل كان مستنده العرف، أو العادة الغالبة، أو القرائن، أو غلبة الظن، ونحو ذلك، فتارة يعمل بالأصل، ولا يلتفت إلى الظاهر، وتارة يعمل بالظاهر، ولا يلتفت إلى الأصل، وتارة يخرج في المسألة خلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>