قد بحثت حكم التشهد الأول في صفة الصلاة، وبينت أن الراجح فيه أنه من السنن، وأن أفعال الصلاة كلها لا واجب فيها، فهي إما فروض، وإما سنن، وقد ترك النبي ﷺ أصحابه يجتهدون في ألفاظ التشهد، ولم يرشدهم إلى قول التحيات إلا حين وقعوا في الخطأ، وفي هذا دليل على عدم وجوبه، وقول النبي ﷺ:(لا تقولوا السلام على الله … ولكن قولوا: التحيات لله) المقصود من الحديث النهي عن الخطأ، وليس الإلزام بالتشهد كقوله ﷺ:(لا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، ولأن الأمر إذا تسبب فيه المأمور، إما بالسؤال، وإما بالتعبد بما لا يشرع، فجاء الأمر من الشارع بالصواب، لم يكن الأمر دالًا على الوجوب، وتشبيه تعليم التشهد بتعليم السورة من القرآن لا يدل على الوجوب؛ لأن هذا التشبيه قيل في تعليم الاستخارة، وهي ليست واجبة إجماعًا وقيل في تعليم الاستعاذة بالله من أربع في التشهد الأخير، والراجح فيها عدم الوجوب، ولم يذكر التشهد في حديث المسيء صلاته، ولو كان واجبًا لذكره؛ وحديث المسيء صلاته عند أكثر الفقهاء خرج مخرج البيان لما هو لازم لصحة الصلاة.
ولأن التشهد الأول يسقط بالنسيان وهذا دليل على عدم وجوبه حتى يقوم دليل صحيح صريح يدل على وجوب التشهد، وإلا فالواجبات لا تسقط إلا بفعلها، والسهو يرفع الإثم، ولا يسقط به المأمور، فإذا ترك النبي ﷺ الفعل للسهو عنه ولم يرجع إليه مع إمكان الرجوع إليه، دل ذلك على ضعف مأخذ الوجوب.
وأما قول ابن قدامة:«لولا أنه واجب لما سجد جبرًا لنسيانه، وغير التشهد من الواجبات مقيس عليه، ومشبه به»(١).
فالجواب أن يقال: لا أعلم دليلًا يأمر المصلي بالسجود للسهو إذا ترك التشهد الأول، إلا ما كان من فعل النبي ﷺ، وفعله لا يدل على الوجوب، والجمهور ومعهم الحنابلة لا يمنعون من السجود للسهو للسنن خلافًا للحنفية، فلا يكون