كالطول لا أصل له في الشرع، والأصل عدم التحديد، ولأن التحديد فيهما ليس له ضابط، أو حَدٌّ معروفٌ في عادات الناس ليرجع إليه، ولم يدل على ذلك دليل شرعي، ولم يفرق الدليل الشرعي في السجود والبناء بين طول الفصل وقصره، ولا بين الخروج من المسجد والمكث فيه، فمن فرق فعليه الدليل، ولو كان قصر الفصل شرطًا في صحة البناء لجاءت النصوص في بيان حدِّه وقد اختلف الفقهاء في تقديره مما يدل على ضعف اشتراطه، فمنهم من يقدره بالعرف، ومنهم من يقدره بأن يكون أقل من مقدار الركعة، ومنهم من يعتبر قرب الفاصل بالقدر الذي نقل عن النبي ﷺ في خبر ذي اليدين، والطول بما زاد عليه، وقيل: الفصل القريب: ما بين الخطبة والشروع في الصلاة إلى غيرها من الأقوال الذي تدل على أن المسألة ليس فيها سنة متبعة.
• ونوقش هذا من وجوه:
الوجه الأول:
القول بأن التحديد بالفاصل الطويل لا أصل له في الشرع، ولم يدل على ذلك دليل شرعي، يقال: هل الأصل في أفعال الصلاة الموالاة أو التفريق، فإن كان الأصل في أفعال الصلاة الموالاة، وأن تفريقها عمدًا يبطل الصلاة بالإجماع كان من يجوِّز تفريقها هو المطالب بالدليل السالم من النزاع حتى يسلم له ما يقول، ولم يحفظ في النصوص أن النبي ﷺ سها، ثم تدارك ذلك في وقت يجمع الناس على أن مثله فاصل طويل، وإنما اغتفر الفاصل اليسير للعذر، وللنصوص الصحيحة، ولأنه لا يمكن التحرز منه، ولأن الشريعة قائمة على التفريق بين اليسير والكثير في كثير من المحظورات، كالنجاسة، وانكشاف العورة، بخلاف الفاصل الطويل، ولأن الفاصل الطويل بين أفعال الصلاة منافٍ للصلاة، كما ينافيه الأكل والشرب والحدث، وأما حديث أبي هريرة وحديث عمران فهو من تحقيق المناط، أحصل فيها فاصل طويل أم فاصل يسير، فالجمهور على أن الفاصل فيها من الفاصل اليسير، والمخالف يدعي أنها من الفاصل الطويل، وأما القول بأن التحديد بالطويل لا أصل له في الشرع فهذا قول ما أبعده عن الصواب.