قد يقال: إن هذا دليل على ضعف منزع القول بوجوب سجود السهو، فالفقهاء إذا قالوا بوجوب عبادة، ثم لم يرتبوا مقتضى القول بالوجوب في بعض تفريعاتهم كان ذلك أمارة على ضعف منزع القول بالوجوب، ومثله التعامل مع بعض الأحاديث الضعيفة، والتي ظاهرها يقتضي الشرطية، فإذا أخذ الفقهاء بهذه الأحاديث لم يرتبوا عليها مقتضاها من الشرطية، كأحاديث التسمية في الوضوء، فإن ألفاظها جاءت بلفظ:(لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فظاهره اشتراط التسمية، ولم يقل أحد من الفقهاء بمقتضاه:
فالجمهور ذهبوا إلى استحباب التسمية.
والحنابلة قالوا بالوجوب في أحد القولين، ومع ذلك قالوا: تسقط التسمية بالنسيان، مع أن المأمورات لا تسقط بالنسيان كما لو صلى ناسيًا حدثه، والأمثلة كثيرة، ولو جمعت لجاءت مصنفًا.
وقد يقال: لعل ذلك راجع إلى أن هذا السجود محله بعد السلام إما اضطرارًا لكونه سها عنه، ولم يتذكره حتى سلَّم، أو لأنه من سجود السهو الوارد بعد السلام، فصار سجود السهو في حكم الواجب للعبادة، وليس من الواجب فيها، والواجب للعبادة لا تبطل الصلاة بتركه، كما لو صلى بلا أذان وإقامة، فلم يستدع ذلك إلى إبطال النافلة، ووقت سجود السهو البعدي من الواجب الموسع، والجواب الأول عندي أقوى، والله أعلم.
لأن هذا التخريج يصلح لمذهب المالكية القائلين يسجد ولو تذكر بعد شهر، وأما الحنابلة فهم يشترطون الموالاة للسجود البعدي، فإذا لم يتذكره حتى طال الفصل سقط سجود السهو وصحت الصلاة، والاشتغال بالنافلة قد يترتب عليه طول الفصل.
والحنابلة وإن اشترطوا قصر الفاصل بين الصلاة وقضاء سجود السهو لم يعتبروا سجود السهو يعني عودته إلى حكم الصلاة خلافًا للشافعية.
فالحنابلة قالوا: إن التحلل من الصلاة حصل بالسلام؛ فلا يجب عليه نية العود إلى الصلاة، ولا تبطل الصلاة بارتكابه مفسدًا من حدث أو غيره، وإن سقط به سجود السهو، ولا يجب الإتمام على من يجوز له القصر إذا نواه، ولا يصح دخول