للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ويعيد السجود بعد السلام، اختاره بعض الحنفية في غير ظاهر الرواية (١)، واقتصر بعض المالكية على القول بأن الفعل لا يجوز (٢)، أم يحرم تقديم البعدي ويكره تأخير القبلي، وهو المعتمد في مذهب المالكية (٣).


(١) قال ابن الهمام في فتح القدير (١/ ٥٠٠): «روي في غير رواية الأصول أنه قبل السلام لا يجوز».
والتعبير بأنه لا يجوز مخالف لقواعد الحنفية؛ لأن قواعد الحنفية أن ما أمر به بدليل ظني، يقولون: عنه واجب، وما أمر به بدليل قطعي يقولون عنه فرض، وما نهي عنه بدليل ظني صريح ولا معارض له يقولون عنه مكروه كراهة تحريم، فإن عورض صار مكروهًا تنزيهًا، وما نهي عنه بدليل قطعي يقولون عنه محرم، والسجود بعد السلام ورد الأمر به في بعض الحالات، فكان مقتضى قواعد الحنفية أن يعبروا عنه بكلمة: يجب، أما كلمة (لا يجوز) فهي غير مطابقة، فإن قصد به لا يجوز كراهة تحريم، فلم يثبت النهي عنه مطلقًا، لا بدليل ظني ولا غيره، وإن قصد به كراهة تنزيه فهي موافقة لظاهر الرواية.
ولهذا عبارة ابن نجيم أدق، قال في البحر الرائق (٢/ ١٠٠): «وروي عن أصحابنا أنه لا يجزئه ويعيده، كذا في المحيط، وفي غاية البيان: أن الجواز ظاهر الرواية».
لكن يشكل على القول بالإعادة أنه مخالف لما نقله ابن نجيم من الإجماع على عدم إعادة سجود السهو إذا سجد قبل السلام، فتأمل.
ويقصد الحنفية بالتعبير (بظاهر الرواية): مسائل الأصول، وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب: وهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وقد يلحق بهم زفر، والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ عن الأمام، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة.
ويقابل هذه ما يقال عنها: مسائل النوادر، وهي ما رويت عن محمد برويات غير ثابتة، ويلحق بها كذلك مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لما سئلوا عنها، ولم يجدوا فيها رواية، فالقسمان الأخيران لا يعدان من مسائل الأصول، ومنه هذا القول. انظر: حاشية ابن عابدين (١/ ٦٩). مواهب الجليل (٢/ ٢٢).
(٢) مواهب الجليل (٢/ ٢٢).
(٣) وقال الدردير في الشرح الكبير (١/ ٢٧٨): «وصح السجود من حيث هو إن قدم بعدية أو أخر
قبلية، فعل ذلك عمدًا أو سهوًا، إلا أن تعمد التقديم حرام، وتعمد التأخير مكروه».

<<  <  ج: ص:  >  >>