للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[م-٨٤٧] عرفنا اختلاف العلماء في محل سجود السهو في المسألة السابقة، فهل من قال: السجود كله قبل السلام، أو قال: كله بعد السلام، أو قال: بعضه بعد السلام، وبعضه قبل السلام إلى غيرها من الأقوال، أذلك على سبيل الوجوب أم ذلك على سبيل الاستحباب، فيجوز تأخير القبلي إلى بعد السلام وعكسه؟

وعلى القول بالوجوب، فإذا خالف، أتصح الصلاة مع الإثم، أم تبطل الصلاة، أم يعيد السجود إذا قدم البعدي؟

اختلف الفقهاء في ذلك:

القول الأول:

قالوا: تصح الصلاة، وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة على خلاف بينهم في حكم الفعل، أيكره تنزيهًا، وهو ظاهر الرواية في مذهب الحنفية (١)، أم يجوز، ويفوته السجود إن كان متعمدًا؛ لكونه سنة فات محلها، وهو مذهب الشافعية (٢)، أم أن محل السجود سنة، قدمه أو أخره، والسجود واجب، فلا يفوت السجود بفوات محله، وهو مذهب الحنابلة (٣)، أم أن الفعل لا يجوز،


(١) قال في الدر المختار (ص: ٩٨): «ولو سجد قبل السلام جاز، وكره تنزيهًا».
وانظر: المبسوط للسرخسي (١/ ٢٢٤)، شرح مختصر الطحاوي للجصاص (٢/ ٢٣)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٧٨)، بدائع الصنائع (١/ ١٧٤)، البحر الرائق (٢/ ١٠٠)، تبيين الحقائق (١/ ١٩٢)، الجوهرة النيرة (١/ ٧٦).
(٢) الأصح في مذهب الشافعية أن سجود السهو قبل السلام، فإن أخره عمدًا فات السجود، وإن قرب الفصل، وصحت صلاته؛ لأن السجود سنة.
وقيل: العمد كالسهو، يسجد إن قصر الفصل وإلا فلا.
وإن سلم سهوًا سجد بعد السلام إن قرب، فإن طال الفصل عرفًا فات السجود في الجديد؛ لكونه سنة فات محلها، وتعذر البناء بالطول.
وقال في القديم: لا يفوت بطول الفصل؛ لأنه جبران عبادة، فيجوز أن يتراخى عنها؛ كجبران الحج.
فالشافعية يدور تفصيلهم على فوات السجود، لا على وجوبه؛ لأن سجود السهو عندهم سنة، وعليه فهم متفقون مع الجمهور في صحة الصلاة في أصح الوجهين، ولا يرون تحريم الفعل.
انظر: تحفة المحتاج (٢/ ٢٠٠)، نهاية المحتاج (٢/ ٩٠)، مغني المحتاج (١/ ٤٣٩)، المهمات في شرح الروضة (٣/ ٢٣٤)، فتح العزيز (٤/ ١٨١)، المجموع شرح المهذب (٤/ ١٥٤).
(٣) قال المرداوي في الإنصاف (٢/ ١٥٥): «يجوز السجود بعد السلام إذا كان محله قبل السلام
وعكسه، وهذا هو الصحيح من المذهب».
وانظر: الإنصاف (٢/ ١٥٥)، شرح منتهى الإرادات (١/ ٢٣٤)، المبدع (١/ ٤٧٣)، الكافي (١/ ٢٨٢)، كشاف القناع (١/ ٤٠٩)، مطالب أولي النهى (١/ ٥٣٢)، المحرر (١/ ٨٥).
وقال ابن رجب: «وهذا ظاهر على قواعد أحمد وأصحابه؛ لأنهم يفرقون في بطلان الصلاة بترك سجود السهو عمدًا بين ما محله قبل السلام، وما محله بعده، فيبطلون الصلاة بترك السجود الذي محله قبل السلام دون الذي محله بعده، ولو كان ذلك على الأولوية لم يكن له أثر في إبطال الصلاة».

<<  <  ج: ص:  >  >>