للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عليه في الجزم بأن المشكوك قبل السلام، ولا بأن المقتضي له بعد السلام مختص بمورد النص، فنفي التفريق قول بلا دليل يوجب الفرق، وهو قول بتخصيص العلة من غير بيان فوات شرط، أو وجود مانع، وهو الاستحسان المحض الذي لم يتبين فيه الفرق بين صورة الاستحسان وغيرها» (١).

• ونوقش هذا الوجه:

بأن هذا الكلام مبني على أن اختلاف محل السجود في الأحاديث يرجع لمعنى أوجب التفريق، وإلا لكان السجود كله قبل السلام، أو كله بعد السلام.

وإذا لم نعرف هذا المعنى فإننا لا نستطيع أن نجزم بالسهو الذي لم يرد فيه نص، هل حقه أن يسجد له قبل السلام أو بعده، بخلاف ما إذا قلنا: إن المعنى هو الزيادة والنقص، فإنه يمكن لنا القياس عليهما فيما لم يرد فيه نص هذا ملخص كلام ابن تيمية .

وهذا الكلام سبق الجواب عنه، فلو كان اختلاف محل السجود يرجع إلى وجود معنى يوجب التفريق، فهل هذا المعنى عَلَّمه النبي لأمته، أو اكتفى بالسجود، ولم يعلمهم هذا المعنى؟

فإذا ترك النبي أمته دون أن يعلمهم ما يوجب التفريق عرَّض صلاتهم للخلل.

وإذا فرضنا أن هذا تركه النبي لاجتهاد العلماء ليستنبطوه، فهل عرفه الصحابة والتابعون، أو جهلوه؟

فإن كان هذا المعنى لا يعرف في أقوال الصحابة، وكان بعضهم يسجد للسهو قبل السلام، وبعضهم يسجد للسهو بعد السلام، ولم ينكر بعضهم على بعض، ولم ينقل عن أحد منهم أن مرد ذلك لوصف الزيادة والنقص، أصبح القول بأن ذلك هو العلة في التفريق قولًا ضعيفًا، وأن الاختلاف من قبيل التنوع، وهو لا يوجب فرقًا، بل أراد الشرع السعة والتيسير، فلو قدم السجود البعدي أو عكس لصحت صلاته، وهو قول الأئمة الأربعة في المشهور المعتمد في مذهبهم، وقد ذكرت هذا المعنى فيما سبق، والله أعلم.


(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٢٢، ٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>