وأن الأخذ بالتحري يختلف عن الأخذ بالمتيقن، وإلا لكان محل السجود فيهما واحدًا، والقول نفسه ينطبق على حديث ابن بحينة في السجود للنقص قبل السلام، وعلى حديث أبي هريرة، وعمران بن الحصين في السجود للزيادة بعد السلام.
فالشارع حكيم لا يفرق بين شيئين بلا فرق، فلا يجعل بعض السجود بعده، وبعضه قبله إلا لفرق بينهما، فبحثنا عن هذا الوصف، فوجدنا الزيادة والنقص وصفًا مناسبًا، فأنيط الحكم به.
والشك الذي في حديث أبي سعيد الخدري صريح أنه لا يمكن معه التحري؛ لقوله: فلا يدري أصلى ثلاثًا أم أربعًا، بينما لا يوجد مثل هذا في حديث ابن مسعود.
• ونوقش هذا من وجوه:
الوجه الأول:
الأصل في أفعال الصلاة عدم التعليل، ومنها اختيار السجود جابرًا دون غيره، واختيار محله.
فمذهب المالكية قائم على أن محل سجود السهو معلل، وأن الزيادة والنقص وصفان مؤثران في اختلاف محل السجود، ومن ثم طردوا الحكم فيما لم يرد فيه نص على كل زيادة ونقص، وهي علة مستنبطة، وليست منصوصة، والأصل في أفعال الصلاة عدم التعليل، وإذا كان اختيار السجود جابرًا دون غيره يعتبر تعبديًّا، فكذلك محله، ولو كانت الزيادة والنقص وصفًا مؤثرًا في محل السجود لكان أولى الناس بالقول به هم الصحابة والتابعون، ولم أجد ذلك مأثورًا عنهم، وقد عُرِف هذا القول عن الإمام مالك، وهو مخالف لما عليه أكثر فقهاء أهل المدينة، كما ذكر ذلك الترمذي في سننه، وسجود النبي ﷺ في حديث ذي اليدين، أو في حديث ابن بحينة أفعال، والفعل لا عموم له، فالجزم بأن وصف الزيادة والنقص هو العلة في التفريق لا دليل عليه.
الوجه الثاني:
قولهم: إن الشارع لا يفرق بين شيئين بلا فرق، فيقال: إن هذا الاختلاف من قبيل التنوع، وهو لا يوجب فرقًا، فهو دليل على السعة والجواز، فلو قدم السجود البعدي