الاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوالٍ وهيئاتٍ، وصفاتٍ وأقوالٍ، أحكامها مختلفة، لا يمكن أن يستدل على وجوبها بهذا العموم، إلا لو كان النبي ﷺ يقتصر في صلاته على الفروض دون السنن طيلة بقاء مالك بن الحويرث في زيارته للمدينة، وإذ لا يمكن دعوى ذلك فلا ينهض الحديث دليلًا على وجوب أفعال النبي ﷺ في الصلاة، غاية ما يفيده حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) على مشروعية جميع ما رآه مالك مما كان النبي ﷺ يفعله في صلاته طيلة مقامه عند النبي ﷺ، وأما دليل الركنية أو الوجوب فتؤخذ من أدلة أخرى، فالمقطوع به هو الاستحباب، ولا يصرف عن ذلك إلا بقرينة؛ ولأن الأصل في أفعال النبي ﷺ المجردة الاستحباب، كما يفهم من حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) التحذير من إحداث صفات في الصلاة تخالف ما كان يفعله النبي ﷺ في صلاته، والله أعلم.
• دليل من قال: يجب السجود للنقص دون الزيادة:
سجود السهو إن كان بسبب نقص في الصلاة، فالسجود جبر وتعويض لما فات منها، وجبران الناقص واجب؛ لأنه إصلاح لصلاته، بخلاف الزيادة فإنها قدر زائد على التمام، والساهي معذور، والسجود نفسه لا يرفع هذه المفسدة، ومحل السجود بعد السلام صيانة للصلاة عن الزيادة في مقاديرها، فكان مستقلًا عن الصلاة، فهو بمنزلة الاستغفار، لذا كان السجود سنة، وتركه لا يبطل الصلاة، حتى صحح ابن حزم السجود بعد السلام، ولو كان محدثًا؛ لأنه ليس في نفسه صلاة، ولا جزءًا من الصلاة، ويشكل عليه مشروعية السلام فيه للتحلل منه، بخلاف سجود التلاوة فإنه ليس فيه سلام على الصحيح.
وقد حكى جمع من المالكية وبعض الشافعية الإجماع على أن السجود بعد السلام سنة، ونقلته في الأقوال، وقد بينت في الأقوال إلى وجود خلاف في مذهب المالكية فلا تصح دعوى الإجماع حتى في مذهب المالكية، فضلًا عن غيرهم من الحنفية والحنابلة، والله أعلم.
• واعترض:
بأن السجود بعد السلام لا ينافي القول بوجوبه؛ ولهذا الحنفية يرون سجود