للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

وقد يمتحن الله بعض الناس إذا خالف إمامهم سنة من السنن، أيتبعون إمامهم، أم يتبعون السنة؟ كما قال عمار عن عائشة: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم؛ لتتبعوه أو إياها. رواه البخاري (١).

وقد يترك العالم النص الصحيح الصريح لوجود ما يراه معارضًا له من نصوص أخرى صحيحة، والآخر قد لا يسلم له هذه المعارضة، فإذا ترك العالم النص الصحيح الصريح لمعارض يراه لم يكن ذلك خروجًا عن الرد إلى النص.

وقد عقد الأصوليون بابًا في منهج التعامل مع الأدلة التي ظاهرها التعارض.

وقد يكون النص عامًّا، فيأخذ عالم بعمومه، ويأتي عالم آخر فيخصصه بعمل بعض فقهاء الصحابة إذا لم يعارضه صحابي آخر، ولا يعد هذا التخصيص خروجًا عن الرد إلى النص، فالعام مظنة للتخصيص، وهناك عمومات في الكتاب والسنة كثيرة لا يراد عمومها أصلًا، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦].

فليس المراد في الآية عموم الكافرين، وإنما من سبق له في علم الله الشقاء.

وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: ٨٢]. فظاهر الآية: ولم يلبسوا إيمانهم بأي ظلم؛ لأن قوله: (بظلم) نكرة في سياق النفي فيعم، وقد فهم الصحابة من الآية العموم، فقالوا كما في الصحيح: يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ فبين النبي أن عموم الآية ليس مرادًا، وقال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك.

كما أن فهم الصحابة للنص مقدم على فهم غيرهم.

قالت أم عطية كما في الصحيحين: (نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا) (٢).

فقول أم عطية: (ولم يعزم علينا) هذا الفهم الذي تتحدث عنه أم عطية خارج الدلالة اللفظية، ولا يحيط به إلا من شاهد التنزيل، وسمع الخطاب من النبي ، فالصحابة رضوان الله عليهم أعلم من غيرهم بدلالات الألفاظ،


(١) صحيح البخاري (٣٧٧٢).
(٢) صحيح البخاري (١٢٧٨)، وصحيح مسلم (٣٥ - ٩٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>