أن المقصود من المأمورات إقامة مصالحها، وذلك لا يحصل إلا بفعلها، والمنهيات مزجور عنها بسبب مفاسدها، امتحانًا للمكلف بالانكفاف عنها، وذلك إنما يكون بالتعمد لارتكابها، ومع النسيان والجهل لم يقصد المكلف ارتكاب المنهي، فعذر بالجهل فيها.
ذلك أن فعل الناسي والجاهل يجعل وجوده كعدمه؛ لأنه معفو عنه، فإذا كان قد فعل محظورًا كان كأنه لم يفعله، فلا إثم عليه، ويصبح فعله العبادة كأنها خالية من فعل المحظور.
وإذا ترك واجبًا ناسيًا أو جاهلًا فلا إثم عليه بالترك، لكنه إذا صار في حكم من لم يفعله يبقى في عهدة الأمر حتى يفعله إذا كان الفعل ممكنًا، وبهذا يظهر الفرق بين الكلام في الصلاة ناسيًا وبين ترك الوضوء.
• دليل من فرق بين القليل والكثير:
الدليل الأول:
الأكل والشرب عمل في الصلاة فيفرق فيه بين القليل والكثير كسائر الأفعال الأجنبية في الصلاة، وقد فرقوا في العمل الأجنبي في الصلاة بين القليل والكثير فكذلك ينبغي في الأكل والشرب، خاصة إذا كان صادرًا عن سهو أو جهل.
ولأن اليسير في الشريعة عفو في الجملة، كالعفو عن يسير النجاسات، وعن الحركة القليلة، والمشي اليسير، والالتفات اليسير، وانكشاف اليسير من العورة.
ولأن الفعل الواحد الذي تجب فيه الموالاة إذا فصل بين أجزائه بوقت يسير يكون في حكم المتصل ولهذا احتمل قليل الفصل بين أشواط الطواف وبين أشواط السعي، فكذلك لا يقطع موالاة الصلاة يسير الأكل والشرب فيها ناسيًا.
• دليل من قال: إذا أكل وشرب أو سلم ساهيًا لم تبطل فإن جميع اثنين بطلت:
أما الدليل على أن السلام وحده ساهيًا لا يبطل الصلاة فذلك لحديث أبي هريرة المتفق عليه في قصة ذي اليدين (١).