وجاءت هذه النصوص الشرعية تدل على وقوع البكاء في الصلاة، ولا يوجد ما يعارضها من نهي الشارع عن البكاء، أو بطلان الصلاة به إذا كان من خشية الله، وما كان ربك نسيًّا، والأصل صحة الصلاة، فدل على التفريق بين حكم الكلام وحكم البكاء في الصلاة من خشية الله.
• دليل المالكية على بطلان الصلاة بالبكاء إلا أن يكون غلبة ومن خشية الله:
استدل المالكية بحديث معاوية بن الحكم في صحيح مسلم:(إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله ﷺ … ). الحديث، والحديث فيه قصة (١). والبكاء ليس بواحد منها.
فالبكاء يحتمل في الصلاة إذا كان غلبة، وكان أثرًا عن أمر مشروع فيها كالخشوع، فاعتبر الإلجاء عذرًا في عدم إبطال الصلاة.
أما إذا كان البكاء لا يتعلق بالصلاة كما كان لوجع أو لمصيبة فهذا يعطى حكم الكلام غير المشروع في الصلاة، فما كان عمدًا فإنه يفسدها للنصوص العامة في الصحيحين وفي غيرها والتي تنص على تحريم الكلام في الصلاة، وسبق ذكرها.
وما كان سهوًا، ولم يكثر فإنه يجبر بسجود السهو.
•وجه التفريق بين الكثير واليسير:
أن الكثير يخالف هيئة الصلاة فيفسدها بخلاف اليسير منه، ولأن الشرع يعفو عن اليسير في باب غالب المنهيات، والله أعلم.
• دليل من قال: يبطل البكاء ولو كان للآخرة إن ظهر منه حرفان، وكان كثيرًا:
الدليل الأول:
البكاء مجرد صوت، فإذا انتظم منه حرفان أصبح كلامًا؛ وذلك أن الكلام في اللغة ما تركب من حرفين، وإن كان مهملًا لا فائدة فيه، واشتراط الإفادة اصطلاح للنحويين.