للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كأنه يقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، ولو صرح بذلك لا تفسد صلاته، فكذلك ما يدل على هذا المعنى.

وإن كان من وجع أو مصيبة صار دالًّا على إظهار الجزع والتأسف فهو بمعنى قوله: أنا مصاب فعزوني، ولو صرح بذلك فسدت صلاته، فكذلك ما دل على هذا المعنى، فالدلالة تعمل عمل الصريح إذا لم يكن هناك صريح يخالفها (١).

• ونوقش من وجوه:

الوجه الأول:

لا نسلم أن البكاء كلام من جهة المعنى، ودلالة البكاء على إظهار الجزع والتأسف لا يستفاد من جهة البكاء، بدليل أن البكاء قد يكون من فرط السرور.

قال الشاعر: غلب السرور عليَّ حتى أنني من عظم ما قد سرني أبكاني.

وقد يكون من أثر الخشوع: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨].

وقد يكون لمصيبة وقعت أو لوجع نزل، فلو كان البكاء يدل بنفسه على الجزع والتأسف لما تنوعت دلالته، وهو صوت واحد، وإنما الفرح والحزن والجزع مستفاد من القرائن، لا من نفس الصوت.

الوجه الثاني:

أن النبي إنما حرم الكلام في الصلاة، والكلام ما دل على معنى في نفسه أو مع غيره بمقتضى الوضع، وأما البكاء والأنين فهو ليس بكلام، ودلالته على المعنى إنما هو بالطبع، لا بمقتضى الوضع، كالإشارة يفهم منها معنى بقرينة، وليست كلامًا بدليل قوله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٦] مع قوله تعالى: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ﴾ [مريم: ٢٩].

الوجه الثالث:

لو سلمنا أن البكاء كلام من جهة المعنى، فالممنوع في الصلاة هو كلام الناس، وليس مطلق الكلام، لقوله : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، ومعلوم أن البكاء ليس من كلام الناس.


(١) البحر الرائق (٢/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>