للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وعموم هذه الأحاديث لا تفرق بين العالم بالتحريم والجاهل به، ولا بين الساهي والعامد، ولا بين الكلام في صلب الصلاة، أو الكلام لمن سلم ساهيًا يظن إتمامها، فالكلام كله ينافي الصلاة.

ولأن قوله: (لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) شيء نكرة في سياق النفي، فتعم كل كلام أجنبي، والأصوليون يقولون: العام جار على عمومه، فاستثناء بعض الكلام دون بعض مخالف لدلالة العموم.

وقد أفادت هذه الأحاديث حكمان:

الحكم الأول: تحريم الكلام في الصلاة؛ للنهي عن الكلام والأمر بالسكوت، وهذا من حيث الحكم التكليفي حتى سقط عن المصلي رد السلام الواجب.

الحكم الثاني: دل حديث معاوية بن الحكم على أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، فقوله: (لا يصلح) الصلاح خلاف الفساد، فالكلام الأجنبي لا يصلح في الصلاة، وهذا من حيث الحكم الوضعي، فإذا وجد فيها أفسدها من حيث هو كلام غير مشروع في الصلاة، وإنما يختلف العالم عن الجاهل في المأثم، وليس في الصحة، فالحديث يخبر بأن الكلام (لا يصلح في الصلاة) فلو صحت الصلاة مع الكلام لكان قد صح الكلام فيها من وجه، فثبت بذلك أن ما وقع فيه كلام الناس فليس بصلاة، كالحدث يفسد الصلاة، سواء أتعمد خروجه أم لا، وسواء أجهل حكمه أم لا، إلا أن يكون مريضًا، وكذلك الأكل والشرب يفسدها مطلقًا، ولهذا أرشد الشارع المأموم إلى التسبيح إذا احتاج إلى الكلام لتنبيه إمامه لإصلاح صلاته، ولم يأذن له بالكلام مع قيام الحاجة، كل ذلك يدل على أن الكلام الأجنبي يخرج به المصلي عن حكم الصلاة (١).

وانظر: الجواب على ذلك في مسألة: الرجل يتكلم في الصلاة جاهلًا بالتحريم.

وقيل: يبني إن كان يسيرًا، وهو نص المدونة ومذهب الشافعية (٢).


(١) انظر: أحكام القرآن للجصاص (١/ ٥٣٨، ٥٣٩).
(٢) جاء في المدونة (١/ ١٩٤): قال مالك في الرجل يسلم من ركعتين ساهيًا، ثم يلتفت، فيتكلم، قال: إن كان شيئا خفيفًا رجع، فبنى وسجد سجدتي السهو، قال: وإن كان متباعدًا ذلك أعاد الصلاة.
وفي التهذيب في اختصار المدونة (١/ ٢٧٤): ومن سلم من اثنتين ساهيًا، ثم تكلم بنى فيما
قرب … وإن تباعد أو خرج من المسجد ابتدأ.
وانظر: التاج والإكليل (٢/ ٣١١)، الثمر الداني في شرح رسالة القيرواني (ص: ١٧٧)، الجامع لمسائل المدونة (٢/ ٦٤٠).
وجاء في مغني المحتاج (١/ ٤٣٥): «فلو تذكر بعده -يعني: بعد السلام- أنه ترك ركنًا بنى على ما فعله إن لم يطل الفصل، ولم يطأ نجاسة، وإن تكلم قليلًا، واستدبر القبلة، وخرج من المسجد، وتفارق هذه الأمور وطء النجاسة؛ باحتمالها في الصلاة في الجملة».

<<  <  ج: ص:  >  >>