للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فقد جاء عن جماعة من التابعين القول بجوازه، وليس قبول قول المانعين بأولى من قبول قول المجوزين، والمذاهب الأربعة على القول بالجواز، ومن كره منهم القيام فيها لم يمنع من السجود فيها، وهو دليل على جواز بنائها، والله أعلم.

الدليل الثاني:

أن المحاريب كانت في شرع من قبلنا، ولم يأت في شرعنا ما يحرمه.

قال تعالى: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران: ٣٩]

وقال تعالى: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص: ٢١]

وهل يمكن أن يتحول شرع من قبلنا كدليل من أدلة الشرع المختلف فيها إلى علة للكراهة بدعوى التشبه، وإنما التشبه الممنوع بما أحدثوه في دينهم، لا فيما شرعه رسلهم من عند الله.

فبعض النصوص الفقهية تنص على أن هناك نوعًا من التشابه بين المحاريب النصرانية والمحاريب الإسلامية، قال في المقنع: «وإن وجد محاريب لا يعلم هل هي للمسلمين أو لا، لم يلتفت إليها» (١).

فهذا النص أهو من الفقه الافتراضي، أم هو يعبر عن وجود تشابه بين المحاريب الإسلامية والنصرانية؟

فيه احتمال، والذي يقوي أنه من الفقه الافتراضي أن المرداوي فرض محاريب لغير النصارى من أصحاب الملل الأخرى.

قال في الإنصاف: «لا يجوز الاستدلال بمحاريب الكفار إلا أن يعلم قبلتهم كالنصارى» (٢).

فعمم سائر الكفار، وكأن المحراب موجود في ملل كثيرة.

وما حاجة النصارى إلى محاريب كمحاريب المسلمين، وصلاتهم ليست كصلاتنا، ولكن دعونا نناقش الأمر على سبيل الافتراض.

فلنفرض أن الكنائس في عصر من العصور الإسلامية أو لدى بعض الطوائف


(١) المقنع (ص: ٤٧).
(٢) الإنصاف (٢/ ١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>