للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والثاني أرجح؛ لأن وفاة عبد الله بن مسعود كان في عام ٣٢، أو ٣٣ هـ قبل ظهور المحاريب في المساجد، فهو يشير بقوله: (هذه المحاريب) إلى محاريب قائمة وموجودة، وقد كان أقرب تاريخ يذكر لنا ظهور المحاريب في آخر المائة الأولى في عهد عمر بن العزيز، فيبعد قوله: (هذه المحاريب) أنه عنى بها محاريب المساجد، إلا لو ثبت أن ظهور المحاريب كان في الثلث الأول من القرن الأول، وهذا مخالف لما ذكره السيوطي وغيره عن تاريخ ظهورها. فتأمل، والله أعلم.

الوجه الثاني:

إذا حملنا قوله: (هذه المحاريب) على محاريب المساجد، فإن هذا الأثر يدل على ظهور المحاريب في وقت مبكر من عصر الصحابة ، أي قبل وفاة عثمان ، فإن وفاة عثمان سنة ٣٥ هـ ووفاة ابن مسعود قبل ذلك في عام ٣٢، أو ٣٣ هـ وقد جاء في الدرة الثمينة في أخبار المدينة لابن النجار (ت ٦٤٣) وفيها: «مات عثمان، وليس في المسجد شرفات، ولا محراب، فأول من أحدث الشرفات والمحراب عمر بن عبد العزيز» (١).


(١) الدرة الثمينة في أخبار المدينة (١/ ١١٤).
وذكر تقي الدين المقريزي في المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (٤/ ٧): «قال الواقدي: حدثنا محمد بن هلال قال: أوَّلُ من أحدث المحراب المجوّف عمر بن عبد العزيز، ليالي بني مسجد النبي .
وقال السمهودي في خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى (٢/ ١١٤): «أسند يحيى، عن عبد المهيمن بن عباس، عن أبيه، قال: مات عثمان، وليس في المسجد شرفات، ولا محراب، فأول من أحدث المحراب والشرفات عمر بن عبد العزيز».
وعبد المهيمن قال البخاري: منكر الحديث.
وقال النسائي: ليس بثقة.
ولو ثبت وجود المحاريب قبل وفاة ابن مسعود لقيل: إن النفي المذكور يخص الحرم النبوي.
«وقال القضاعي: أول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذٍ عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة حينما جدد المسجد، وزاد فيه».
نقل ذلك الزركشي في إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص: ٣٦٣)، وعلي القارئ كما في
عون المعبود (٢/ ١٠٣)، وصاحب مرقاة المفاتيح (٢/ ٦٢٤)، وصاحب المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (٤/ ٩٥). ا
كما نقل الزركشي في الكتاب نفسه (ص: ٣٦٣) عن القضاعي أنه وقف ثمانون رجلًا من الصحابة ، منهم الزبير ، على إقامة قبلة جامع عمرو بن العاص، وإنما قرة بن شريك جعل المحراب المجوف، وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ عامل الوليد بن عبد الملك على المدينة. وانظر: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (١/ ٦٧)، وحسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (٢/ ٢٣٩)، وفتاوى الشوكاني (٦/ ٣٠٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>