للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فابدؤوا بالعشاء، وهذا لفظ مسلم (١).

الدليل الثاني:

استدلوا بالقاعدة التي تقول: إذا تزاحمت مصلحتان، وكانت المحافظة على إحداهما سببًا في تفويت الأخرى، قدمت المصلحة الأقوى والأنفع على ما دونها.

فإذا كان لا سبيل إلى تحصيل الخشوع في الصلاة، ودفع التشويش إلا بتغميض العينين فالمحافظة على الخشوع أولى من مجرد فتح العينين.

فالخشوع هو روح الصلاة، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾، وقال: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ وقد قيل بوجوبه، والجمهور على استحبابه، ولم يأت في فتح العينين أمر ولا نهي، إلا مجرد أنه الأصل، وأن المصلي يبقى على هيئته إذا قام يصلي، ويلزم منه أن تكون عيناه مفتوحة.

الدليل الثالث:

التشويش على المصلي مفسدة، وتغميض العينين في الصلاة مفسدة أخرى، فإذا اضطر المصلي لارتكاب إحداهما لدفع الأخرى، جاز ارتكاب أدناهما لدفع أعلاهما، فيغمض عينيه لدفع التشويش؛ لأن مفسدة التشويش وأثرها على صلاة العبد وقلبه أكبر من مفسدة تغميض العينين، وهو في معنى الدليل الثاني، إلا أن الدليل الثاني في جلب أكبر المصلحتين، وهذا الدليل في دفع أعلى المفسدتين، وهو من تنويع الاستدلال بالقواعد.

الدليل الرابع:

الحركة اليسيرة الأجنبية إذا كانت لمصلحة الصلاة كانت مباحة إن لم تكن مطلوبة، ومنها تغميض العينين سبيلًا للمحافظة على الخشوع، وإذا كان بعض الفقهاء أجاز الكلام في الصلاة لمصلحتها كما وقع في قصة ذي اليدين حين قال للنبي : (أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت)، وبعضه خص ذلك بما إذا انصرف الإمام من الصلاة ظانًا تمام صلاته، والأول أقوى، فإذا كان ارتكاب المحظور جائزًا لمصلحة الصلاة كالكلام فارتكاب المكروه من باب أولى.


(١) صحيح البخاري (٦٧٢)، وصحيح مسلم (٦٤ - ٥٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>