للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

والاحتجاج به عند أصحاب الإمام مالك مشروط فيما سبيله النقل، وليس الاجتهاد، كمسألة الأذان، والصاع، وعدم وجوب الزكاة في الخضراوات (١).

وغالب الترجيحات في هذا الكتاب موافقة لما عليه جمهور الفقهاء من غير أن يكون ذلك سببَ الترجيح، وإنما الترجيح يعود إلى قوة الدليل حسب ظن الباحث، وعلى كل حال إذا رأيت أننا خالفنا رأيك فالتمس العذر بأننا وافقنا جماهير العلماء في كثير من مسائل الكتاب، ولئن خالفناك من غير قصد فقد وافقناك في المنهج باتباع الدليل، وهذا هو الأَسَدُّ. والله أعلم.

ومسائل العلم: منها ما يتعذر على العلماء كلهم الوصول إلى مراد الله منها بالاجتهاد، فيحتاج الأمر إلى توقيف، فهذه قد تولى الله بيانها أو رسوله من خلال النصوص، فلا يترك الله عباده دون أن يبين لهم ما يتقون.

قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة: ١١٥].

وقال سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، فالأول كالمواريث، ودلالتها نصية. والثاني: كعدد الركعات في الصلوات الخمس فقد بينت السنة ما أجمل في قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [النور: ٥٦].

ومنها ما يكون بالإمكان الوصول إلى مراد الله منها، فهذه قد ترك الله الاجتهاد فيها للعلماء؛ ليتوصلوا إلى مراد الله منها، وكانت دلالة النصوص فيها ليست قطعية لحكم إلهية، من أجل بذل الجهد والتعبد في معرفة مقصود الشارع، وليرفع الله بها درجات بعض العلماء على بعض، وليخص الله بعضهم بالفتح من عنده بحسب الجد والإخلاص، فيفيض الله على بعض العلماء ما لا يفتح به على آخرين؛ رحمة وفضلًا وتوسعة وتيسيرًا على الخلق، فالمصيب له أجران، والمخطئ له أجر، ولتتمحص العبودية لله والاتباع لرسوله على ما تشتهيه النفس أو تنزع له من شدة أو تفلت، أو تقديم لقول شيخ أو إمام أو سلطان أو عمل بلد،


(١) الإشارة في معرفة الأصول والوجازة (ص: ٢٨١)، شرح تنقيح الفصول للقرافي (ص: ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>