وإن لم يمكن الترجيح كان الحديث معلًا بعلتين: ضعف إسناده، واضطرابه. قال ابن حجر في النكت استكمالًا لما سبق: «ومع ذلك كله فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح، ثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلًا ورأسًا». ولم يتفق رأى العراقي مع رأي تلميذه ابن حجر، فرأى أن الترجيح متعذر، فقال في النكت نقلًا من تدريب الراوي (١/ ٣١٠): اعترض عليه -يعني على ابن الصلاح في ذكر هذا الحديث مثالًا للشاذ- بأنه ذكر أن الترجيح إذا وجد انتفى الاضطراب، وقد رواه سفيان الثوري، وهو أحفظ ممن ذكرهم، فينبغي أن ترجح روايته على غيرها، وأيضًا فإن الحاكم وغيره صححوا هذا الحديث. قال: والجواب أن وجوه الترجيح فيه متعارضة، فسفيان وإن كان أحفظ، إلا أنه انفرد بقوله: (أبي عمرو بن حريث، عن أبيه)، وأكثر الرواة يقولون: عن جده، وهم بشر، وروح، ووهيب، وعبد الوارث، وهم من ثقات البصريين، وأئمتهم، ووافقهم على ذلك من حفاظ الكوفة ابن عيينة، وقولهم أرجح للكثرة؛ ولأن إسماعيل بن أمية مكي، وابن عيينة كان مقيمًا بها، والأمران مما يرجح به، وخالف الكل ابن جريج، وهو مكي، فتعارضت حينئذ وجوه الترجيح، وانضم إلى ذلك جهالة راوي الحديث، وهو شيخ إسماعيل، فإنه لم يرو عنه غيره مع الاختلاف في اسمه واسم أبيه، وهل يرويه، عن أبيه، أو جده، أو هو نفسه، عن أبي هريرة … ». اه وإذا كان لي أن أرجح بين قولي ابن حجر وشيخه العراقي فأنا أميل إلى قول ابن حجر، وذلك أن نستبعد ما تفرد به من لم يُتابَع عليه، كتفرد ابن جريج، حيث رواه مرة عن إسماعيل بن أمية، عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة. ورواه في أخرى عن إسماعيل بن أمية، عن أبي محمد بن حريث، عن أبي هريرة، بإسقاط حريث، فهذان الطريقان شاذان؛ لتفرد ابن جريج فيهما، وللاختلاف عليه، ومخالفته جميع من روى حديث إسماعيل بن أمية. ونستبعد أيضًا ما رواه مسلم بن خالد الزنجي، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن أبيه، عن جده، فجمع أباه وجده في الإسناد، تابعه سفيان بن عيينة في رواية سعيد بن منصور عنه، وسفيان قد اضطرب في إسناده. ونستبعد ما تفرد به نصر بن حاجب، فإنه متكلم فيه، وأتى بما لم يتابع عليه في إسناد الحديث. ويبقى الترجيح: بين رواية بشر بن المفضل، وروح بن القاسم ووهيب بن خالد، وابن علية وعبد الوارث وغيرهم حيث رووه: (عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده، عن أبي هريرة). =