للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فضيلة الصلاة في أول الوقت خف الإلزام في الأمر من الوجوب إلى الاستحباب.

وإما أن تكون هذه المعارضة سببًا في سقوط ما وجب تقديمًا لواجب أهم منه، كما سقط إنكار المنكر والإمام يخطب يوم الجمعة لمعارضته وجوب سماع الخطبة، وكما سقط رد السلام على المصلي لحرمة الكلام في الصلاة.

فلما كان القيام بواجب دفع المار ينازعه القيام بمصلحة الصلاة خف الأمر من الإلزام إلى الاستحباب بالقدر الذي لا يفوت عليه خشوعه في صلاته، ولا تكثر فيها حركته، ومن باب أولى لا يفسد عليه صلاته.

والأصل في الأمر الوجوب هذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم، إلا أنهم يتساهلون في الصوارف، ولا يتشددون فيها، فيصرف الأمر من الوجوب إلى الندب لأدنى صارف لأنك تجد أوامر في الشريعة قد صرفت عن الوجوب للندب ولا يعرف لها صارف إلا ما ينقدح في نظر المجتهد وفهمه، فحديث: (يا غلام سَمِّ الله وكل بيمينك) (١)، فالتسمية للأكل عند جمهور الفقهاء ليست للوجوب، والصارف ليست قرينة لفظية منعت القول بالوجوب، كما لو نقل ترك التسمية أحيانًا، أو أقر النبي أحدًا على ترك التسمية، وإنما ظهر للمجتهد بأن هذا الأمر يتعلق بالآداب.

ومثله حديث: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه) (٢)، فإن الأمر بالغمس ليس للوجوب، بل ولا للندب، وإنما هو للإرشاد، والصارف ليس قرينة لفظية، وإنما كون الأمر يتعلق بالصحة، وقل مثل ذلك لأحاديث كثيرة صرفت من الوجوب للندب لقرينة معنوية ظهرت لفهم المجتهد، وهذا ما جعل الشاطبي يقول: إن دلالة الأمر والنهي وُكِلَت إلى أنظار المكلفين ليجتهدوا فيها (٣)، والله أعلم.

• ويجاب على هذا من أكثر من وجه:

الوجه الأول:

لو صح القول بأن الدفع يتعارض مع مراعاة مصلحة الخشوع في الصلاة لقيل


(١) صحيح البخاري (٥٣٧٦)، وصحيح مسلم (٢٠٢٢).
(٢) صحيح البخاري (٣٣٢٠).
(٣) الموافقات (٣/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>