للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فكأنه يقول: الأصل عدم الوجوب.

فتعقب ذلك الحافظ ابن حجر، فقال: «قد صرح بوجوبه أهل الظاهر، فكأن الشيخ لم يراجع كلامهم فيه، أو لم يعتد بخلافهم» (١).

والراجح الاحتمال الثاني فقد صرح النووي في غير ما موضع أنه لا يعتد بخلافهم، وكأن النووي وابن حجر لم يقفا على الرواية الثانية عن الإمام أحمد، والتي تذهب إلى وجوب الدفع، وقد نقلها عنه من الحنابلة، ابن مفلح الكبير والصغير، والمرداوي محرر المذهب.

الدليل الثاني:

(ح-٢١٧٩) ما رواه البخاري ومسلم من طريق ابن فضيل، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة،

عن عبد الله ، قال: كنا نسلم على النبي وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلًا (٢).

وجه الاستدلال:

قوله: (إن في الصلاة شغلًا) فإذا كان المصلي لا يشتغل برد السلام الواجب فلا يجب عليه أن يشتغل بغير صلاته.

وكما سقطت الجماعة عن المصلي عند حضور الطعام، أومدافعة الأخبثين حتى يأتي الرجل إلى صلاته وقد فرغ قلبه، فيعطي الخشوع حقه، فإذا كان مراعاة الخشوع قد أسقط عنه وجوب الجماعة، فكذلك مراعاة خشوع الصلاة يجعل الدفع في حقه ليس لازمًا.

فالواجبات إذا عارضها واجبات أخرى إما أن تكون هذه المعارضة سببًا في تخفيف الإلزام بالأمر من الوجوب إلى الاستحباب كما في مسألتنا، وكما في الأمر بالإبراد بالظهر لشدة الحر، فإن الأصل في الأمر الوجوب، إلا أنه لما عارض هذا


(١) شرح الزرقاني على الموطأ (١/ ٥٣٤).
(٢) صحيح البخاري (١١٩٩)، وصحيح مسلم (٣٤ - ٥٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>