وانظر إلى حديث أم عطية ﵂ في الصحيحين: نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا (١).
فقول أم عطية:(ولم يعزم علينا) هذا الفهم الذي تتحدث عنه أم عطية ﵂ خارج دلالة النهي اللغوية، ولا يحيط به إلا من شاهد التنزيل، وسمع الخطاب من النبي ﷺ، ولن يعطاه من تعامل مع دلالة النصوص اللغوية بمعزل عن فهم الصحابة رضوان الله عليهم، وعن فهم من أَخَذَ عنهم واتبعهم بإحسان، وهم التابعون ﵏.
وقل مثل ذلك لو أن طالب علم جاء إلى لفظ (السفر) في اللغة وأراد أن يطبق أحكام القصر والفطر على دلالة النص اللغوية، فرخص في الفطر والقصر بمجرد الظهور عن البلد؛ باعتبار أن حقيقة السفر هو السفور والظهور، فلمَّا كان مضطرًا في فهم حقيقة السفر إلى الرجوع إلى عمل الصحابة وفهم السلف كان ذلك واجبًا في التعامل مع بقية النصوص الشرعية، والله أعلم.
وليس هذا خاصًا بالعبادات، فالربا في اللغة الزيادة، ولا يمكن فهمه استنادًا إلى اللغة، فهناك زيادة محرمة، وهناك زيادة مباحة، واللغة لا تفرق بين هذا وذاك، وقل مثل ذلك في تفسير حديث: نهى عن بيعتين في بيعة، فإنه لا يمكن لك فهم النص بدلالة اللغة، وكل البدع والتأويلات الفاسدة جاءت من خلال هذا المسلك، فلا تجد بدعة ولا تأويلًا فاسدًا إلا وتجد أن أهلها أتوا من اعتمادهم على ظواهر بعض النصوص أو بعض العمومات، ولم يستوفوا أدوات فهم النص من خلال تناول النص بفهم الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان، والله أعلم.
وحين قال عطاء في قوله تعالى: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣]. قال: ما أراه إلا واجبًا. أخذ ذلك فقط من دلالة الأمر، والأصل فيه الوجوب، ولم يأخذ ذلك من فهم الصحابة رضوان الله عليهم.