وخالف في ذلك القاضي أبو مهدي عيسى الغبريني المالكي، فقال بجواز الأذكار بلسان واحد إذا لم يعتقد كونه من سنن الصلاة، وفضائلها، أو واجباتها. وهذا القول في غاية الشذوذ (١).
فإذا لم يكن ذلك من سنن الصلاة ولا من فضائلها فما الحامل على فعله؟
ولماذا لا ننشط على فعل السنن بدلًا من الحرص على البدعة، ولا يكفي في تسويغ البدعة اعتقاد أنها ليست من سنن الصلاة، ولا من فضائلها، لأن هذا الاعتقاد هو في القلب، وإذا اعتاد الناس على فعلها اعتقدوا سنيتها، والعوام لا تفرق، فكل العبادات المرتبطة بالصلاة أقل ما يرونه أنه من سننها إن لم يعتقدوا أنه من واجباتها، وإذا كان الرسول ﷺ منع من استبدال لفظ النبي بالرسول في الأذكار المقيدة كما سيأتي ذكره في الأدلة، فما بالك بإحداث هيئة ليست من سنن الصلاة، ولا من فضائلها.
• دليل من قال: لا يشرع الذكر والدعاء الجماعي في أدبار الصلوات:
الدليل الأول:
الأصل في العبادات التوقيف، ومنها أذكار الصلوات، والأصل في العبادة المنع إلا بإذن من الشارع.
(ح-٢١١٠) فقد روى الشيخان من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة ﵂، قالت: قال رسول الله ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد.
رواه البخاري، قال: حدثنا يعقوب،
(١) جاء في المعيار المعرب للونشريسي (١/ ٢٨١): «أجاب عن السؤال كبير طلبته قاضي الجماعة بتونس الشيخ الفقيه أبو مهدي عيسى الغبريني: الصواب جواز الدعاء بعد الصلاة على الهيئة المعهودة إذ لم يعتقد كونه من سنن الصلاة وفضائلها أو واجباتها، وكذلك الأذكار بعدها على الهيئة المعهودة كقراءة الأسماء الحسنى، ثم الصلاة على النبي ﷺ مرارًا ثم الرضى عن الصحابة ﵃، وغير ذلك من الأذكار بلسان واحد».