واختار شيخنا محمد بن عثيمين أن القاعدة في تفسير الدبر: أن ما كان من قبيل الأذكار، فإنه يكون بعد السلام، وما كان من جنس الدعاء، فإنه قبل السلام.
لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ﴾ [النساء: ١٠٣]، فذكر بعد قضاء الصلاة الذكر ولم يذكر الدعاء.
والذي يظهر أن الآية ليست في سياق الأذكار المقيدة في أدبار الصلوات، بل فيه تنبيه لأهمية الذكر، وأنه لا ينتهي بالفراغ من الصلاة، فكما شرعت الصلاة لإقامة ذكر الله، فإن سبب الذكر لا ينقطع بالفراغ من الصلاة، بل يشرع للعبد إذا قضى الصلاة ألا يغفل عن الذكر بمعناه المطلق، فيذكر الله في كل أحواله، قائمًا وقاعدًا، وعلى جنب، فذكره لأحوال الذاكر من قيام وقعود واضطجاع دليل على أنه عنى الذكر المطلق.
وعلى التسليم بالقاعدة التي ذكرها شيخنا ﵀، فأرى أن القاعدة أغلبية وليست كلية، فالاستغفار ثلاثًا بعد السلام، وقوله:(رب قني عذابك يوم تبعث -أو تجمع- عبادك) إن ثبت حديث البراء، فهو من الدعاء بعد السلام.
(ح-٢٠٨٧) ومنه ما رواه البخاري من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي، قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عبد الله بن الحسن، يقول:
أخبرني جابر بن عبد الله السلمي، قال: كان رسول الله ﷺ يعلم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمهم السورة من القرآن، يقول: إذا هَمَّ أحدكم بالأمر، فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك .... الحديث (١).
فإن قوله:(فليركع ركعتين … ثم ليقل) ظاهره بعد الصلاة.
إذا عرفت ذلك نرجع إلى حديث معاذ بن جبل، فإن قوله في الحديث:(لا تدعنَّ في دبر كل صلاة) إما أن نعتبر (الدبر) من المجمل، أو من العام:
فإن اعتبرناه من المجمل فحكم المجمل التوقف حتى يرد في النصوص