للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨].

وقال تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ [الأعراف: ١٥٧].

ولو كان الشارع يقصد المشقة بالتكليف ما كان اليسر والتخفيف من مقاصد الشريعة.

الثاني: ما ثبت أيضًا من مشروعية الرخص، وهو أمر مقطوع به، ومما علم من دين الأمة ضرورة، كرخص القصر، والفطر والجمع، كل ذلك دليل على أن المشقة من أسباب التخفيف، وليست من أسباب التكليف (١).

فإذا تبين أن المشقة ليست مطلوبة لذاتها، فإنه لا يصح قصدها بالتقرب بها إلى الله فالمقصود من المشي إلى الصلاة تحصيل الجماعة في المسجد، والمشي وسيلة إلى ذلك، فإن كان يحصل على مقصوده من طريق أقرب لم يقصد الطريق الأبعد، وإن كان المشي يشق عليه، ويمكنه الركوب لم يترك الركوب طلبًا لكثرة الخطا، فقصد المسجد الأبعد مع تيسر الأقرب من أجل كثرة الخطا تكلف لا يأمر به الشرع.

يقول شيخنا ابن عثيمين : «الإنسان إذا عمل عبادة شاقة بأمر الله كان أجرها أعظم، ومن ثم كان الأبعد من المسجد أعظم أجرًا من الأدنى من المسجد؛ لأنه أكثر عملًا، لكن ليس معنى ذلك أن الإنسان يطلب المشقة في العبادات التي يسرها الله، هذا من التنطع في الدين، لكن إذا كلفك الله بعبادة، وشقت عليك، صار هذا أعظم، أما أن تتطلب المشقة كما يفعل بعض الجهال في أيام الشتاء مثلًا يذهب، فيتوضأ بالماء البارد، يقول: لأن إسباغ الوضوء على المكاره مما يرفع الله به الدرجات، ويمحو به الخطايا، نقول: يا أخي ما هذا أراد الرسول ، إنما أراد الرسول ، أن الإنسان إذا توضأ بماء بارد في أيام الشتاء كان أعظم أجرًا، ولكنه لم يقل: اقْصِدْ الماء البارد. فإذا مَنَّ الله عليك بالماء الساخن تستطيع أن تسبغ الوضوء فيه إسباغًا كاملًا، فهذا أفضل» (٢).

فإذا كان لا يقصد الماء البارد طلبًا للأجر، لم يقصد المسجد الأبعد تكثيرًا للخُطَا طلبًا للأجر.


(١) انظر الموافقات (٢/ ٢١١، ٢١٢).
(٢) شرح رياض الصالحين (٥/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>