للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أشق، والمشقة إذا عرضت للعبادة كتبت، ولا يقصدها المكلف بالفعل طلبًا للمشقة.

يقول ابن تيمية: «مما ينبغي أن يُعْرَف أن الله ليس رضاه أو محبته في مجرد عذاب النفس وحَمْلِها على المشاق حتى يكون العمل كلما كان أشقَّ كان أفضل كما يحسب كثير من الجهال أن الأجر على قدر المشقة في كل شيء، لا، ولكن الأجر على قدر منفعة العمل، ومصلحته وفائدته … إلى أن قال: هذا في كل عبادة لا تقصد لذاتها، مثل الجوع، والسهر، والمشي» (١).

فاعتبر ابن تيمية أن المشي ليس مقصودًا لذاته حتى يذهب إلى الأبعد مع تيسر الأقرب.

• حجة من قال: لا يقصد الأبعد مع وجود الأقرب لكثرة الخطا:

الدليل الأول:

(ح-١٠٧٠) روى البخاري ومسلم من طريق ابن شهاب، عن عروة بن الزبير،

عن عائشة ، أنها قالت: ما خير رسول الله بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه … (٢).

فما يقع من المشاق في العبادة سواء أكان في الغايات أم في الوسائل لا يقصدها المكلف من حيث كونها مشقة، بل يقصدها لجلب المصالح في الأوامر، ودفع المفاسد في النواهي، فإن وقعت المشقة عرضًا، أو كانت العبادة لا تتأتى إلا بها أثيب عليها، فإذا تحققت المصلحة بلا مشقة كان ذلك أحب للشارع.

يقول العز بن عبد السلام: «لا يصح التقرب بالمشاق؛ لأن القرب كلها تعظيم للرب ، وليس عين المشاق تعظيمًا، ولا توقيرًا» (٣).

واستدل الشاطبي بأن الشارع لا يقصد المشقة بالتكليف بأدلة منها:

أحدها: النصوص الدالة على إرادة التخفيف والتيسير،

قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥].

وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٨].


(١) مجموع الفتاوى (٢٥/ ٢٨١، ٢٨٣).
(٢) صحيح البخاري (٣٥٦٠)، وصحيح مسلم (٧٧ - ٢٣٢٧).
(٣) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (١/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>