وهذا ما يؤيد احتمال أن يكون الرسول ﷺ ابتدأ الصلاة إمامًا.
وأما ما يؤيد الثاني: وهو أن الرسول ﷺ دخل في الصلاة مأمومًا، أنه ﵊ عندما تراجع أبو بكر القهقرى أشار إليه إشارة بيده أن امكُث، ولو لم يكن في صلاة لاستخدم العبارة بدلًا من الإشارة.
وهذا ما فهمه الباجي في شرح الموطأ، قال فيه:«أشار إليه رسول الله ﷺ أن امكث مكانك، وفي ذلك دليل أن الإشارة في الصلاة للعذر، والحاجة إلى ذلك لا تبطلها، ولا تنقصها؛ لأن النبي ﷺ فعل ذلك»(١).
ومع احتمال الأمرين لا يصح الجزم بأنه دليل لمسألتنا، فَيُطْلَبُ دليلٌ آخرُ على المسألة، والله أعلم.
الوجه الثاني:
على فرض أن يكون الرسول ﷺ قد ابتدأ الصلاة إمامًا، فيرى بعض أهل العلم أن هذا خصوصية له ﵊، ونسبه ابن عبد البر إلى جماهير العلماء.
قال ابن عبد البر في التمهيد: «وأما استئخار أبي بكر عن إمامته، وتقدم رسول الله ﷺ إلى مكانه، وصلاته في موضع أبي بكر ما كان بقي عليه، فهذا موضع خصوص عند جمهور العلماء، لا أعلم بينهم: أن إمامين في صلاة واحدة من غير عذر حدثٍ يقطع صلاة الإمام، ويوجب الاستخلاف، لا يجوز.
وفي إجماعهم على هذا دليل على خصوص هذا الموضع؛ لفضل رسول الله ﷺ، ولأنه لا نظير له في ذلك، ولأن الله ﷿ قد أمرهم ألا يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وهذا على عمومه في الصلاة والفتوى، والأمور كلها ألا ترى إلى قول أبي بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله ﷺ أو يصلي بين يدي رسول الله ﷺ، وفضيلة الصلاة خلف رسول الله ﷺ لا يجهلها مسلم، ولا يلحقها أحد، وأما سائر الناس فلا ضرورة بهم إلى ذلك؛ لأن الأول، والثاني
(١) المنتقى للباجي (١/ ٢٨٩)، ونقل ذلك أبو بكر بن العربي وأقره في المسالك في شرح موطأ مالك (٣/ ١٤٧).