وصغارها مما لم يقع عليها إجماع. والآية تعطي الخلاف شرعية؛ لعدم النهي عن التنازع المشروع، وترسم المنهج الشرعي في التعامل معه، وذلك بالرد إلى النص من كتاب أو سنة، إلا أن وجود النص الشرعي لا يستلزم ثبوته، فقد يوجد النص، ولا يصح، وثبوته لا يعني التسليم بدلالته على الحكم، فالاختلاف في دلالة النص من أكثر أسباب الخلف فيه، وكلا المتنازعين قد رد إلى النص بحسب فهمه واجتهاده.
فالنص: خطاب الشارع من كتاب وسنة.
ودلالة النص: عمل المجتهد، والنص معصوم، والفهم غير معصوم، وهناك من لا يستطيع أن يفرق بينهما، ويعتقد أن فهمه: هو خطاب الشارع، ويقول لك: هل ابن عمر معصوم؟ وهل الإمام أحمد معصوم؟
ويقال له: وهل فهمك للنص معصوم؟ فإن كانت المقاربة بالرجال فنحن أوثق لديننا بتقديم فهم ابن عمر وفهم الإمام أحمد للنص على فهم بعض المعاصرين، فلا تجعلوا فهمكم حجة بمنزلة النص.
فحديث:(لا صلاة بحضرة طعام) لا نزاع في ثبوته.
ومثله حديث:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).
والحديثان دلالتهما اللغوية واحدة، فالظاهرية لا يفرقون بين الدلالتين، ويسوون بينهما في الحكم، ويحكمون ببطلان الصلاة بحضرة الطعام، وترك القراءة.
والجمهور فرقوا في الدلالة، فصححوا الصلاة بحضرة الطعام، بخلاف ترك القراءة خاصة للمنفرد والإمام.
ولا يصح للظاهرية أن يتهموا جمهور الفقهاء بأنهم لم يأخذوا بدلالة النص.
وحين ترى دلالة ما أنها مرجوحة، وفي نفس الوقت ترى أن هذه الدلالة قد توافق عليها عالمٌ في أقصى المشرق مع عالم في أقصى المغرب دون مواطأة، فهذا يعني أن هذه الدلالة محتملة، وترجيحك لضعفها لا يلغي احتمال صوابها، فكيف إذا وجدت أن هذا الفهم قد تكرر من المجتهدين على اختلاف أماكنهم، وتعاقب دهورهم؟ وهؤلاء لا يختلف أحد في إمامتهم، ولا في امتلاكهم لأدوات الاجتهاد، ولا في تعظيمهم للنصوص.