للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قلنا: لامتياز العادة عن العبادة؛ لأن ترك الأكل يشترك فيه العادة والعبادة، وتعيين النية ليحصل الإخلاص لله تعالى» (١).

ولأن الصيام عبادة يلزم المضي في فاسدها، فلم تفسد بنية الخروج منها كالحج.

قال الزركشي: «وأما الصوم فهو فرع تَرَدَدَ بين أصلين: الصلاة، والحج، قال الرافعي: وألحقه الجمهور بالحج» (٢).

• حجة من قال: يبطل صومه بعد الفراع من العبادة:

هذا القول من أضعف الأقوال، ولم أجد له دليلًا لا ظاهرًا ولا صريحًا يدل على أن المكلف بقدرته إبطال أعماله الصالحة التي عملها، وفرغ منها بمجرد أن ينوي إبطالها، مع بقائه على الإسلام.

وإنما الذي ورد أن هذه الأعمال الحسنة لا تبطل إلا بأمرين:

إبطال حقيقي: وذلك يكون بالردة عن الإسلام؛ لأن شرط الثواب كونه مسلمًا، وفي خروجه من الإسلام بالردة حبط عمله إن لم يرجع إلى الإسلام قبل موته.

والأمر الثاني: إبطال ثمرة هذه الأعمال وذلك يكون بارتكاب المعاصي حتى يأتي يوم القيامة، وقد شتم هذا، وسرق هذا، وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته حتى تفنى، كما جاء في السنة الصحيحة.

وكذلك الأعمال القبيحة، لا يذهب تبعتها إلا بالتوبة، أو برد الحقوق، أو بعفو الله ، وأما رفض النية فلا يذهب تلك الأعمال.

وقد حاول القرافي أن يستدل لهذا القول في كتابه البديع الفروق، فقال:

«رفض النيات في العبادات كالصلاة والصوم والحج والطهارة ورفع هذه العبادات بعد وقوعها في جميع ذلك قولان، والمشهور في الحج، والوضوء عدم الرفع، وفي الصلاة والصوم صحة الرفض، وذلك كله من المشكلات، فإن النية وقعت، وكذلك العبادة، فكيف يصح رفع الواقع؟ وكيف يصح القصد إلى المستحيل؟ بل النية واقعة قطعًا، والعبادة محققة جزمًا، فالقصد لرفض ذلك


(١) التعليقة للقاضي حسين (٢/ ٧١٥).
(٢) المنثور في القواعد الفقهية (٣/ ٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>