للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بالاتفاق، فإذا أراد قطع النية بعد ذلك لم يصادف القطع محلًّا يؤثر فيه، وإنما يؤثر قطع النية بعد العمل إذا كان هذا العمل مما يتطلب دوام استصحاب حكمه كالإيمان مثلًا، فإنه بعد نطق الشهادتين يجب عليه استصحاب حكمه على الدوام إلى أن يلقى الله، فإذا نوى قطعه خرج من الإسلام بخلاف الصيام، فإنه بعد الفراغ من الصيام انقطعت أحكامه بالنسبة إليه، فلا يبطله شيء ما بقي مسلمًا.

ولأن العلماء مجمعون على أن المكلف إذا قام بالعمل على الوجه المأمور به شرعًا حتى فرغ منه فقد سقط عنه التكليف بفعله.

قال ابن راشد المالكي: «فمن ادعى أن التكليف يرجع مرة أخرى بعد سقوطه لأجل الرفض فعليه الدليل» (١).

ولأن الصيام إذا لم يفرغ منه حِسًّا، ولا حكمًا كان قطع النية مبطلًا له، وهكذا سائر العبادات إلا النسك كما تقدم.

وإذا فرغ من العبادة حِسًّا وحكمًا فلا تأثير لرفض النية بعد ذلك.

وإذا فرغ من العبادة حِسًا لا حكمًا فهو محل تردد، هل يغلب حكم انتهاء العبادة حسًا، أم يغلب بقاؤها حكمًا كالطهارة؟، وسيأتي بحثها إن شاء الله تعالى.

• حجة الشافعية في التفريق بين الصيام والصلاة:

لم يوافق الشافعية على قياس الصيام على الصلاة:

فالصيام ترك وإمساك، ولهذا لا يؤثر النوم في إبطال صومه، فضعفت فيه النية بخلاف الصلاة (٢).

قال القاضي حسين: «الفرق أن الصلاة قربة أعمال يباشرها، لا تصير عبادة إلا بالنية، فبطلت برفض النية، بخلاف الصوم، فإنه كَفٌّ وإمساكٌ، والكف والإمساك لا يحتاج حصولهما إلى النية، كالكف عن الزنا، وشرب الخمر .... فإن قيل: لو صح هذا المعنى لوجب ألا توجبوا أصل النية في الصوم.


(١) انظر: مواهب الجليل (١/ ٢٤١)، وابن راشد هذا غير ابن رشد، ولشهرة الثاني عند الباحثين يغلطون في اسميهما، فينسبون القول إلى ابن رشد، وليس كذلك.
(٢) طرح التثريب (٢/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>