للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وإبطاله قصد للمستحيل، ورفع الواقع، وإخراج ما اندرج في الزمن الماضي منه، وكل ذلك مستحيل …

والجواب عنه أن ذلك من باب التقديرات الشرعية، بمعنى أن صاحب الشرع يقدر هذه النية، أو هذه العبادة في حكم ما لم يوجد، لا أنه يبطل وجودها المندرج في الزمن الماضي، بل يجري عليها الآن حكم عبادة أخرى لم توجد قط، وما لم يوجد قط يستأنف فعله، فيستأنف فعل هذه، فهي من قاعدة تقدير رفع الواقعات، لا من قاعدة رفع الواقعات.

فإن قلت: وأي دليل وجد في الشريعة يقتضي تمكن المكلف من هذا التقدير، وأن هذا التقدير يتحقق، ولو صح ذلك لتمكن المكلف من إسقاط جميع أعماله الحسنة والقبيحة في الزمان الماضي بطريق التقدير، والقصد إليها، فيقصد الإنسان إبطال ما مضى له من جهاد، وهجرة، وسعي في طلب العلم وغير ذلك من الأعمال، بل يكون إذا قصد إلى إبطال ما تقدم له من الإيمان بمجرد القصد لعدم اعتباره من غير كفر، ولا ردة، ولا معنى من المعاني المنافية للإيمان أن يصير كافرًا غير مؤمن في الزمان الماضي، وأن حكم إيمانه المتقدم الآن حكم عدمه، وحكم جميع أعماله الصالحة كلها كذلك.

وكذلك يقصد إلى إبطال زناه، وسرقته، وحرابته، وأكله الربا، وأموال اليتامى وغير ذلك من المحاسن والقبائح، أن يصير حكمها الآن حكم المعدوم في الزمان الماضي، فيستريح من مؤاخذتها؛ لأن عدم المؤاخذة هي أثر هذا التقدير، وجميع ذلك لم يقل به، ولا قال فقيه بفتح هذا القياس، ولم نجده إلا في هذه المسائل الأربع وجميع ما يمكن أن يقال فيه من التعليل أمكن وجوده في جميع تلك الصور، أو في بعضها ولم يرد في هذه الصور الأربع نص يخصصها بهذا الحكم ويمنع من القياس عليها، بل المقرر في الشريعة، أن عدم اعتبار ما وقع في الزمن الماضي يتوقف على أسباب غير الرفض، كالإسلام يهدم ما قبله، والهجرة تهدم ما قبلها، وكذلك التوبة، والحج، وعكسها في الأعمال الصالحة لها ما يبطلها، وهي الردة، والنصوص دلت على اعتبار هذه الأسباب، أما الرفض فما نعلم أحدًا ذكر دليلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>