ورأى بعض الفقهاء أن علة الكراهة هي الخوف من النجاسة؛ لأن مياه هذه الحمامات قد يغتسل فيه من لا يتحفظ عن النجاسات، وقد يبول فيها، وقد يكون على بدنه نجاسة، أو مرض، ثم الأواني المستعملة قد تكون نجسة، وقد يكون ما يغسل فيها من الثياب نجسًا.
وأصحاب هذا القول اختلفوا:
فقال الشافعية: هذه العلة تقتضي الكراهة مطلقًا، ولو تيقن طهارة موضعه، كما لو صلى على حائل، فإن تيقن النجاسة بطلت الصلاة، وإن شك في نجاسته فقولان، أظهرهما الصحة مع الكراهة، كتفصيلهم في الصلاة في المقبرة.
وعليه فالشافعية يذهبون إلى الكراهة مطلقًا، حتى مع تيقن الطهارة، سواء أقالوا: العلة في المكان كونه مأوى الشياطين، أم قالوا: العلة في النهي الخوف من النجاسة.
وقال المالكية، والحنفية في أحد القولين: إن تيقن طهارته فلا كراهة، وإن لم يتيقن الطهارة كرهت للنهي.
وقول المالكية والحنفية أقرب من قول الشافعية، هذا لو صح النهي، وكانت العلة هي الخوف من النجاسة، لأن الحكم ينتفي بانتفاء العلة، ويدور معها وجودًا وعدمًا.
• ويناقش:
القول بأن العلة هي مأوى الشياطين هذا مبني على حديث روي في الباب، وهو ضعيف جدًّا، وإنما الوارد ثبوت هذه العلة في الحشوش، ولو صح أن الحمام مأوى الشياطين لاقتضى ذلك تحريم الصلاة؛ لأن مأوى الخبائث لا ينبغي أن يكون موضعًا للعبادة.
وأما التعليل بالخوف من النجاسة، فهذا أيضًا لا يصح؛ لأن الأصل في المسلمين أنهم لا يبولون في الماء العام، وهم يحتاجون إلى استعماله، والأصل طهارة أبدانهم، والماء الطهور إذا لاقى بدنًا طاهرًا لم يخرجه عن حكمه، ثم هب أن الماء صار طاهرًا بالاستعمال على القول بوجود هذا القسم، فلا يقتضي ذلك