للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

جاء في فتاوى السبكي: «العارف بأدلة القبلة هل يجوز له الاجتهاد فيها أو لا؟

إن قلنا: هو بمنزلة الخبر، فلا يجوز له الاجتهاد.

وإن قلنا بمنزلة التقليد جاز الاجتهاد، بل قد يقال بوجوبه؛ لأن المجتهد لا يقلد المجتهد.

والأظهر التوسط وهو أن يقال: إنه في الجهة بمنزلة الخبر، ولهذا اتفقوا على أنه لا يجوز الاجتهاد في الجهة، ولا نقول: إنه بمنزلة الخبر من كل وجه؛ لأنا نعلم أن الواضعين لم يشاهدوا الكعبة، فالأحسن أن يجعل المنع من الاجتهاد معللًا بتنزيل ذلك منزلة الإجماع، والإجماع قد يستند إلى الاجتهاد، وإذا تقرر الإجماع وجب اتباعه، وحرمت مخالفته، وهذا إنما يكون في بلد تصح دعوى الإجماع فيه وذلك يفتقر إلى طول زمان، وتكرر علماء إليه.

هذا في الجهة، أما التيامن والتياسر فأمرهما خفي فلا يصح فيه معنى الخبر ولا معنى الإجماع، فلذلك يسوغ فيه الاجتهاد على الأصح.

ويحتمل أن يقال بوجوبه على العارف بالأدلة كما في سائر الأحكام.

ويحتمل أن يقال بالجواز دون الوجوب لأنا نعلم من سير السلف الرخصة في ذلك.

إذا عرفت هذا فإنا نجد البلاد فيها بعض الأوقات محاريب مختلفة، فقد شاهدنا في الديار المصرية قبلة جامع الحاكم، وجامع الأزهر، وجامع الصالح وغيرها صحاحًا، وشاهدنا قبلة جامع ابن طولون وغيرها منحرفة إلى الغرب، والصواب التياسر فيها، وكذلك شاهدنا في الشام هذا الاختلاف بجامع بني أمية، وهو أقدمها وأشهرها فيه انحراف إلى جهة الغرب، وجامع تنكز فيه انحراف أكثر منه، وجامع جراح أكثرها انحرافًا، وهو السبب الداعي إلى كتابتي هذه الأوراق؛ لأنه لما علم كثرة انحراف قبلته تطوع جماعة من أهل الخير من أموالهم بما يعمر به، وتجعل قبلته صحيحة، فأردت أن أجعلها على الوضع الصحيح الذي تشهد له أدلة القبلة المسطورة في كتب أهل هذا العلم، فبلغني عن بعض المتفقهة وبعض العوام إنكار ذلك، وطلب أن يكون على قبلة جامع بني أمية ظنًّا منه أن قبلة جامع بني أمية هي الصواب الذي لا يجوز مخالفته؛ لأنها على ما زعم صلى إليها

<<  <  ج: ص:  >  >>