للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وأما الحنابلة فجعلوا هذه المحاريب من قبيل اليقين.

قال ابن قدامة في الكافي: «الحاضر في قرية، أو من يجد من يخبره عن يقين ففرضه التوجه إلى محاريبهم، أو الرجوع إلى خبرهم؛ لأن هذا بمنزلة النص، فلا يجوز الرجوع إلى الاجتهاد معه، كالحاكم إذا وجد النص» (١).

وجاء في البناية: ولا يجوز التحري مع المحاريب … ونقل صاحب الشمائل إجماع المسلمين على هذا (٢).

• وجه قول المالكية: يجوز للمجتهد تقليد المحاريب، ولا يجب:

هذا القول من المالكية مبني على أن المحاريب إما أن تكون منصوبة بالاجتهاد، وإما أن تكون منصوبة بالشرع.

فما نصب منها بالشرع: كالقبلة في محراب مسجد المدينة لا تسوغ مخالفته.

وما نصب منها بالاجتهاد: لم يجب تقليدها، وكونها قد تم تنصيبها من جماعة فهذا يجعلها مظنة الإصابة، ولا يمكن القطع بإصابة القبلة، لهذا قال المالكية: يجوز تقليدها من المجتهد ولا يجب، وأما الذي لا يستطيع الاجتهاد فيجب عليه تقليدها.

ويمكن أن يستدل لهم بالنظر: فإذا جاز للمجتهد أن يجتهد في مسائل العلم، وأن يخالف قول الجمهور بشرطه، فالقبلة من باب أولى؛ لأن أهل هذا البلد لا يمكن أن يعتبر إجماعًا لا تجوز مخالفته؛ لأن الإجماع عند أهل الأصول إنما هو في اتفاق مجتهدي أمة محمد في عصر من العصور، وهذا لا يتحقق في محراب البلد، وكم من بلد قد تم نصب محرابه من أهل العلم والاجتهاد، وتتابعوا عليه زمنًا طويلًا، وتعاقب عليه أجيال، ثم اكتشف أنه على غير جهة القبلة، فالإصابة من الجماعة ليست قطعية حتى يلزم التقليد، والله أعلم.

• وجه قول الشافعية بوجوب تقليد الجهة، والاجتهاد في الانحراف اليسير:

وهذا القول من الشافعية منزعه أنهم يرون أن الاجتهاد في القبلة للبعيد هو


(١) الكافي في فقه الإمام أحمد (١/ ٢٣٤).
(٢) البناية شرح الهداية (٢/ ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>