للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

من باب التقليد؛ لأن من وضعها نصبها باجتهاد، وقبول قول المجتهد بغير دليل يصدق عليه أنه تقليد؟

وإذا كان اتباعها تقليدًا فلا يلزم المجتهد؛ لأن التقليد لا يلزم المجتهد.

وهذه المحاريب أتفيد العلم؛ لأنها بمنزلة الإجماع، وإن لم تكن إجماعًا بالمعنى الاصطلاحي؛ لأن اتفاق أهل البلد عليها، مع كثرتهم وتكرارهم، وسلامتها من الطعن يرقى إلى أن تكون بمنزلة الإجماع، أم أنها تفيد الظن، لأن تنصيبها كان عن طريق الاجتهاد؟

والقائلون بأنها تفيد الظن، منهم من أجاز الاجتهاد معها.

ومنهم من جعل الظن درجات، فرأى أن الظن في المحاريب أقوى من ظن المجتهد الواحد، ويمتنع العمل بالظني مع إمكان ظني أقوى منه.

إذا عرفت سبب الخلاف ومنزعه نأتي إلى تفصيل ذلك:

• وجه من قال: يجب تقليدها مطلقًا:

الحنفية جعلوا هذه المحاريب وإن كانت من قبيل الظن والاجتهاد إلا أنها فوق الاجتهاد بالتحري، لأنها نصبت بمعرفة أهل البلد، وأهل كل بلد أعلم بجهة قبلتهم من غيرهم عادة، فكان ذلك فوق الثابت بالتحري (١).

وقد جعل الحنفية الظن درجات، بعضه أقوى من بعض، فيتبع الأقوى في مقابلة القوي، ويتبع القوي في مقابلة الضعيف، فلا يصار إلى الأدنى مع إمكان الأعلى، ويمتنع العمل بالظني مع إمكان ظني أقوى منه.

ولهذا قال الحنفية: الاستخبار فوق التحري: أي إذا وجد من يخبره من أهل ذلك الموضع عن جهة القبلة لزمه اتباعه؛ لأن العمل بالدليل الظاهر واجب عند انعدام دليل فوقه. ولو كان في مفازة، فأخبره رجلان عن القبلة لم يلزمه قبول كلامهما (٢).


(١) تحفة الفقهاء (١/ ١١٩)، حاشية ابن عابدين (١/ ٤٣٣).
(٢) مراقي الفلاح (ص: ٩٢)، الهداية شرح البداية (١/ ٤٧)، تبيين الحقائق (١/ ١٠٠، ١٠١)، حاشية ابن عابدين (١/ ٤٢٨)، البحر الرائق (١/ ٣٠٢).
وقال العيني في البناية شرح الهداية (٢/ ١٤٩): قوله: «(الاستخبار فوق التحري) أي: طلب
خبر القبلة من غيره فوق التحري إذا كان المخبر من ذلك الموضع، وأما إذا كان مسافرًا لا يلتفت إلى الخبر».

<<  <  ج: ص:  >  >>