للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تقليدًا؛ وإنما هو اتباع لخبر ديني بمنزلة الرواية.

فلو كان لا علم له بالقبلة لم يتبعه سواء أكان من أهل المكان أم كان من غيره، وشمل هذا الجاهل، والمجتهد؛ لأنه لا يخبر عن علم، وإنما يخبر عن ظن.

ولو كان عالمًا بالقبلة، ولكنه ليس من أهل المكان فظاهر كلامهم أنه لا يتبعه، خوفًا من كونه يخبر عن ظن، أي عن اجتهاد (١).

فمن أخبر عن علم وجب اتباعه، ومن أخبر عن اجتهاد لم يقلد في اجتهاده، وقدموا عليه التحري، بالرغم من أن التحري معلق بالعجز عن معرفة أدلة القبلة، وتحكيم للقلب بلا أمارة.

قال ابن عابدين في منحة الخالق: «إذا عجز عن تعرف القبلة بغير التحري لزمه


(١) قال ابن عابدين في حاشيته (١/ ٤٣١): «إذا لم يكن من أهل ذلك المكان فلأنه يخبر عن اجتهاد فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره؛ وأما إذا لم يكن بحضرته من أهل المسجد أحد فإنه يتحرى ولا يجب عليه قرع الأبواب كما سيأتي؛ وظاهر التقييد بالأهل: أن وجوب السؤال خاص بالحضر، فلو في مفازة لا يجب: وفي البدائع ما يخالفه حيث قال: فإن كان عاجزًا بالاشتباه، وهو أن يكون في المفازة في ليلة مظلمة ولا علم له بالأمارات الدالة على القبلة، فإن كان بحضرته من يسأله عنها لا يجوز له أن يتحرى، بل يجب أن يسأل لما قلنا: أي من أن السؤال أقوى من التحري اه وشرط في الذخيرة كون المخبر في المفازة عالمًا حيث نقل عن الفقيه أبي بكر أنه سئل عمن في المفازة، فأخبره رجلان أن القبلة في جانب، ووقع تحريه إلى جانب آخر، فقال: إن كان في رأيه أنهما يعلمان ذلك يأخذ بقولهما لا محالة وإلا فلا. اه وشرط في الخانية والتجنيس كونهما من أهل ذلك الموضع حيث قال: فإن لم يكونا من أهل ذلك الموضع، وهما مسافران مثله، لا يلتفت إلى قولهما؛ لأنهما يقولان بالاجتهاد، فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره. اه.
قال ابن عابدين: والظاهر أن المراد من اشتراط كونهما من أهل ذلك الموضع كونهما عالمين بالقبلة؛ لأن الكلام في المفازة، ولا أهل لها، إلا أن يراد كونهما من أهل الأخبية فهما من أهله والأهل له علم أكثر من غيره، فلا ينافي ما مر عن الذخيرة، حتى لو كانا من أهله ولا علم لهما لا يلتفت إلى قولهما، فالمناط إنما هو العلم، فقد يكونان مسافرين مثله، ولكن لهما معرفة بالقبلة في ذلك المكان بكثرة التكرار أو بطريق آخر من طرق العلم مما يفوق على تحري المتحري».
فقول ابن عابدين: فالمناط إنما هو العلم دليل على أنهم لا يرون تقليد المجتهد؛ لأن معرفة المجتهد مبنية على الظن، وليس على العلم بالقبلة، والظن خاص بصاحبه، ولهذا جاءت كتب ظاهر الرواية بالنص على أن يكون من أهل ذلك المكان، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>