للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وإن كان الرجل في الحضر فإن الاستدلال بالقبلة على ثلاث مراتب أيضًا:

المرتبة الأولى: المحاريب، إذا وجدت؛ لأنها بمنزلة العلم عندهم؛ لأنها لم تنصب إلا بحضرة جمع من أهل المعرفة بالأدلة.

المرتبة الثانية: الاستخبار بأن يوجد رجل من أهل هذا المكان عالم بالقبلة.

المرتبة الثالثة: إذا لم يجد محرابًا ولا رجلًا عالمًا من أهل هذا المكان فإنه يتحرى، ويقصدون بالتحري: استفتاء القلب بلا أمارة أو أصل، وهو لا يحتاج إلى معرفة بأدلة القبلة، بل يقدر عليه كل مكلف (١)، وسوف أبحث حكم التحري إن شاء الله في مسألة مستقلة.

قال ابن عابدين في حاشيته: «الحاصل أن الاستدلال على القبلة في الحضر إنما يكون بالمحاريب القديمة، فإن لم توجد فبالسؤال من أهل ذلك المكان.

وفي المفازة بالنجوم، فإن لم يكن لوجود غيم أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها، فإن لم يكن فيتحرى» (٢).

وجاء في تبيين الحقائق: «إذا كان بحضرته من يسأله عنها -أي عن القبلة- وهو من أهل المكان، عالم بالقبلة، فلا يجوز له التحري؛ لأن الاستخبار فوق التحري .... ولا يجوز التحري مع المحاريب» (٣).

فمنع من التحري بشرطين: الأول: وجود المحاريب؛ لأنها بمنزلة العلم، وسوف نناقشها إن شاء الله في مسألة مستقلة.

الثاني: أن يكون بحضرته من يسأله عن القبلة بشرط:

أن يكون من أهل المكان، وأن يكون عالمًا بالقبلة؛ لأن الأخذ بقوله ليس


(١) قال ابن عابدين في حاشيته (١/ ٤٣٣): «قبلة التحري مبنية على مجرد شهادة القلب من غير أمارة».
وقال السمرقندي في ميزان الأصول (١/ ٦٨٣): «التحري في الأحكام مشروع في حق الكل؛ لأن التحري هو العمل بشهادة القلب عند عدم سائر الأدلة الشرعية والعقلية».
وقال ابن عابدين في حاشيته (١/ ٤٣٤): «التحري معلق بالعجز عن تعرف القبلة بغيره». وانظر: فتح القدير لابن الهمام (١/ ٢٧١)، منحة الخالق على البحر الرائق (١/ ٣٠٢).
(٢) حاشية ابن عابدين (١/ ٤٣١).
(٣) تبيين الحقائق (١/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>