للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التحري .... قيدنا بالعجز عن التعرف إلا به؛ لأنه لو قدر على تعرف القبلة بالسؤال من أهل ذلك الموضع ممن هو عالم بالقبلة فلا يجوز له التحري؛ لأن الاستخبار فوقه لكون الخبر ملزمًا له ولغيره، والتحري ملزم له دون غيره، فلا يصار إلى الأدنى مع إمكان الأعلى بخلاف ما إذا لم يكن من أهله فإنه لا يقلده؛ لأنه كحاله» (١).

فظاهر كلام الحنفية أنهم لا يرون التقليد في القبلة (٢)؛ لأن القادر هو من كان قادرًا بنفسه، ومن قدر بغيره فليس بقادر إلا أن يخبر عن علم، فإن كان عن اجتهاد قدم عليه التحري، وهو مقدور لكل مكلف، فإن عجز عن التحري فقيل: يتخير وقيل: يصلى إلى أي جهة شاء، وسوف يأتي إن شاء الله بحث المتحير في القبلة في مسألة مستقلة.

القول الثاني: مذهب المالكية:

ذهب المالكية إلى تحريم التقليد إذا كان يمكنه تعلم أدلة القبلة.

قال القرافي: «وإن لم يكن عالمًا وأمكنه التعليم وجب التعليم وحرم التقليد» (٣).

وقال القرافي أيضًا: «ظاهر كلام أصحابنا أن التوجه للكعبة لا يسوغ فيه التقليد مع القدرة على الاجتهاد، ونصوا على أن القادر على التعلم يجب عليه التعلم، ولا يجوز له التقليد» (٤).

وقال ابن شاس: «أما البصير الجاهل بالأدلة، فإن كان بحيث لو اطلع على


(١) منحة الخالق على البحر الرائق (١/ ٣٠٢).
(٢) عبرت بقولي: (الظاهر من مذهب الحنفية) ولم أقل: إنه صريح المذهب؛ لأني لم أجد نصًّا صريحًا ينفي التقليد، وإنما بنيت قراءتي لمذهب الحنفية للأسباب التالية:
أحدها: أن الحنفية قدموا التحري على تقليد المجتهد علمًا أن التحري مجرد ميل القلب بلا أمارة ولو كان التحري من رجل جاهل بأدلة القبلة، أو من عاجز بسبب غيم ونحوه.
الثاني: التفريق بين خبر الواحد في الحضر فيلزم اتباعه، وخبر الاثنين في المفازة فلا يقلد دليل على التفريق بين اليقين والظن.
الثالث: أنه لا يوجد نص يدفع هذا الفهم، وليس من شرط القول أن تكون دلالته نصية، فدلالة الظاهر كافية إذا لم يوجد ما يدفع هذا الظاهر.
(٣) الذخيرة للقرافي (٢/ ١٢٢)، عقد الجواهر الثمينة (١/ ٩٥)، المورد المعين (ص: ٢٥٤)، حاشية العدوي على الخرشي (١/ ٢٥٩).
(٤) الفروق للقرافي (٤/ ٢٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>