فمن قال: إنه فرض عين مطلقًا، فسوف يوجب عليه التعلم، ويمنعه من التقليد.
ومن قال: فرض كفاية، فسوف يسوِّغ له التقليد بشرط وجود مجتهد يقوم به فرض الكفاية.
ومن قال: إن التعلم فرض عين لمن أراد أن يسافر، وليس معه مجتهد يمكن تقليده فلازمه امتناع التقليد للمسافر، ووجوب التعلم مع إمكانه، وتعذر التقليد؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن قال: إن تعلم أدلة القبلة مستحب فالتقليد عنده جائز مطلقًا.
وسوف تأتينا هذه المسألة بأدلتها في مسألة مستقلة إن شاء الله، إذا عرف هذا نأتي إلى التعرف على كل مذهب من مذاهب الأئمة عليهم رحمة الله.
القول الأول: مذهب الحنفية.
ظاهر مذهب الحنفية أنهم لا يرون التقليد في القبلة؛ إلا أن يخبر الرجل عن علم فإنه يلزم اتباعه، فإن أخبر عن اجتهاد قائم على الظن لم يتبعه.
وقد قال الحنفية في الرجل تشتبه عليه القبلة: إما أن يكون في الحضر، وإما أن يكون في المفازة.
فإن كان في مفازة اهتدى إلى القبلة بالنجوم، فإن لم يكن لوجود غيم، أو لعدم معرفته بها فبالسؤال من العالم بها، فإن لم يكن فإن عليه أن يتحرى.
فجعلوا المراتب ثلاثًا:
الأولى: أن يهتدي إليها بالاجتهاد في النظر في النجوم.
الثانية: إن لم يمكن الاجتهاد لغيم أو عجز، انتقل إلى سؤال رجل عالم بالقبلة، وقيد العالم أخرج اثنين:
الجاهل الذي لا علم له.
والمجتهد في معرفة القبلة؛ لأنه يخبر عن ظن.
الثالثة: إذا لم يوجد من يخبر عن علم فإنه يتحرى، وظاهره أنه لا يقلد من يخبره عن اجتهاد.