للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقيل: هو في حكم الغائب عن مكة مطلقًا، إذا حال بينه وبين الكعبة حائل أصلي، وكذا حائل حادث على الأصح، فيجتهد، على خلاف: أيجتهد في إصابة الجهة، وهو قول الحنفية، أم يجتهد في إصابة العين، وهو الأصح في مذهب الشافعية؟.

وقيل: إن كان الحائل أصليًّا لزمه إصابة العين بالاجتهاد (بالظن)، وإن كان حادثًا لزمه إصابة العين بيقين.

• وسبب الخلاف يرجع إلى مسألتين:

إحداهما: ما قاله خليل في التوضيح: «إن نظرت إلى الحرج، وهو منفي عن الدين، كما قال الله تعالى أجزت الاجتهاد، وإن نظرت إلى أنه قادر على اليقين لم يجز له الاجتهاد» (١).

الثانية: على القول بالاجتهاد، فمن قال: إن القبلة هي البيت، وقد دل النص على وجوب التوجه إلى البيت، وهو إجماع مع القرب؛ لتيقنه، وظن مع البعد؛ لتعذره، فاستقبال البيت غاية، والجهة إنما شرعت؛ باعتبارها وسيلة لإصابة العين: أوجب أن يكون الاجتهاد لإصابة العين، ويكفيه الظن.

ومن قال: يجتهد في إصابة الجهة، رأى أن العين لما استحال تيقنها عادة أسقط الشرع اعتبارها، وأقام مظنتها -التي هي الجهة- مقامها، والله أعلم (٢).

وبعد توفيق الله سبحانه في فهم الأقوال وتصورها، أنتقل إلى ذكر أدلة المسألة.

• حجة من قال: فرضه إصابة العين مطلقًا:

الدليل الأول:

قوله تعالى: ﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ [البقرة: ١٤٤].

وجه الاستدلال:

بأن الشطر إن كان هو النحو، أو القبالة، أو القصد، أو النصف، فذلك غير الجهة، فكانت الآية فيها دلالة على أن الفرض استقبال العين، إما حسًّا لمن كان معاينًا لها، أو كان في مكة، وإما اجتهادًا لمن كان بعيدًا عن مكة.


(١) التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (١/ ٣١٩).
(٢) انظر الذخيرة للقرافي (٢/ ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>