للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

عن الاستقبال، وهذا بين.

ولو بعدوا، ووقفوا في أخريات المسجد، فقد يبلغ الصف ألفًا، وهم معاينون للكعبة، وصلاتهم صحيحة، ونحن على قطعٍ نعلم أن حقيقة المحاذاة نفيًا وإثباتًا لا تختلف بالقرب والبعد، ولكن المتبع في ذلك وفي نظائره حكم الإطلاق والتسمية، لا حقيقة المسامتة، وإذا قرب الصف واستطال، وخرج طرفه عن المحاذاة لم يُسَمَّ الخارجون مستقبلين، وإذا استأخر الصف، وبعُد سُمُّوا مستقبلين، وهذه الأحكام مأخوذة في وضع الشرع من التسميات، والإطلاقات» (١).

وذكر بعض المالكية: أنه يكفي الرائي أن يتوهم المقابلة والمحاذاة، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة كما تحصل المسامتة للنجوم مع البعد، فهو لا يكون محاذيًا حقيقة، ولكنه مسامتٌ ببصره؛ لأن الجسم الصغير كلما زاد بعده اتسعت جهته، كغرض الرماة (٢).

قال خليل في التوضيح: «وتبقى المسامتة على هذا بالبصر، لا بالجسم» (٣).

وقال القرافي: «إن الصف الطويل أجمع الناس على صحة صلاته، مع أنه خرج بعضه عن السمت قطعًا؛ فإن الكعبة عرضها عشرون ذراعًا، وطولها خمسة وعشرون ذراعًا على ما قيل، والصف الطويل مائة ذراع فأكثر، فبعضه خارج عن السمت قطعًا، فقولهم: إن القاعدة استقبال السمت مشكل» (٤).

ثم خرج من هذا بقاعدة، فقال القرافي: «القاعدة: وهي أن الله تعالى إنما أمر بالاستقبال العادي دون الحقيقي مع البعد، ومع القرب الاستقبال الحقيقي» (٥).

قلت: ومثل ذلك محاذاة الحجر بالطواف، فإن الحكم يتعلق بظاهر المحاذاة، لا حقيقته، وقد استحسن بعض العلماء أن يضع خطًّا للتوصل إلى حقيقة المحاذاة،


(١) نهاية المطلب (٢/ ٨٨)، وانظر فتح العزيز (٣/ ٢٢٣).
(٢) شرح التلقين (١/ ٤٨٧)، شرح الخرشي (١/ ٢٥٧).
(٣) التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (١/ ٣١٩).
(٤) الفروق للقرافي (٢/ ١٥٣).
(٥) المرجع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>