للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وتفسير الفقهاء مقدم على تفسير أهل اللغة لوجوه منها:

الأول: أنهم أعلم بالتأويل، قال أبو عبيد: «والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا، وذلك أصح معنى في الكلام» (١).

واستحسن ابن رجب كلام أبي عبيد، فقال: «وهذا الذي قاله أبو عبيد في تقديم تفسير الفقهاء على تفسير أهل اللغة حسن جدًّا، فإن النبي -قد يتكلم بكلام من كلام العرب، يستعمله في معنى هو أخص من استعمال العرب، أو أعم منه، ويتلقى ذلك عنه حَمَلَةُ شريعَتِهِ، فلا يجوز تفسير ما ورد في الحديث المرفوع إلا بما قاله هؤلاء الأئمَّة العلماء الذين تلقوا العلم عمن قبلهم، ولا يجوز الإعراض عن ذلك، والاعتماد على تفسير من يفسر ذلك اللفظ بمجرد ما يفهمه من لغة العرب، وهذا أمر مهم جدًّا، ومن أهمله وقع في تحريم كثير من نصوص السنة، وحملها على غير محاملها، والله الموفق» (٢).

وكلام أبي عبيد لم يقدم تفسير الفقهاء مطلقًا، وإنما ذكر لكل تعريف ما يوجب ترجيحه:

فالفقهاء قال: هم أعلم بالتأويل، وقال عن تعريف أهل اللغة: أصح معنى في الكلام، فأشار إلى معنى الكلمة واشتقاقها ومدلولها اللغوي أصح من كلام الفقهاء كما أن القول من ابن رجب لا يقتضي تقديم تفسير الفقهاء مطلقًا، وإنما يريد أن يقول: هناك فرق بين التفسير اللغوي، والتفسير الشرعي، وكُلٌّ مقدم في فنه، فإن كان التعريف لاشتمال الصماء من حيث اللغة فَالمَرَدُّ إلى أهل اللغة؛ لأنهم هم أهل الشأن، وإن كان التفسير لاشتمال الصماء من حيث الحقيقة الشرعية، فالمرجع فيها إلى أهلها، وتفسير أهل اللغة لاشتمال الصماء لا يتجاوز به التعريف اللغوي، أما التعريف الشرعي أو الاصطلاحي فالمرجع في بيانه إلى أهله، كل في فنه، والله أعلم، والتعريف الاصطلاحي تارة يكون موضوعًا من أهل الفن، وتارة يكون متلقى من الشارع، فالكلام في لغة العرب يختلف عن تعريف الكلام عند النحويين، وتعريفه عندهم اصطلاح توافقوا عليه، والإيمان في لغة العرب يختلف عن الإيمان في الشرع، فالإيمان له حقيقة شرعية متلقاة من الشارع، وليس من


(١) غريب الحديث (٢/ ١١٨).
(٢) فتح الباري (٢/ ٣٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>