للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾ لا يأمركم بإلقاء زينتكم.

ثم أمرهم بخلاف ما ادَّعَوْهُ فقال: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ﴾ والمقصود بهم الكفار.

﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ فالمقصود بالزينة الزينة المعهودة التي كانوا يلقونها عن أجسادهم، فأمرهم بأن يأخذوا ما ألقوه من الزينة تعبدًا، ونفى أن الله أمرهم بالفاحشة، فلم يأمرهم ابتداءً باتخاذ الزينة حتى يفهم منه التشريع المطلق، زاد ذلك توكيدًا الآية التي بعدها، وهي في نفي التحريم، قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢]، وكما قلنا: نفي التحريم لا يعني إلا الإباحة.

• ورد هذا الجواب:

كون الآية نزلت في الكفار، لا يعني اختصاصهم بها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب، فقوله: ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ عام فلا يختص بالمسجد الحرام.

• وتعقب هذا الرد بجوابين:

الجواب الأول:

الاحتجاج بقاعدة: العبرة بعموم اللفظ ليس مطلقًا في كل دليل، ففي هذه الآية لا يصح القول بهذه القاعدة الأصولية؛ لأن القول بأن المراد بالمسجد السجود، هذا من قبيل التأويل للآية، وحَمْلُ المسجد على السجود يؤدي إلى إلغاء سبب نزول الآية، والذي يعتبر دخوله في الآية قطعيًّا عند جمهور الأصوليين (١)، ومتى كان القول بالعموم يلغي سبب النزول لم يعتبر العموم، وإنما يعتبر العموم إذا كان السبب داخلًا في جملة العموم، فيقال: لا يقصر الحكم على سببه، فإذا فسرنا المسجد بالصلاة لم يدخل الطواف، وإذا فسرنا المسجد بمكان العبادة دخل المسجد الحرام للطواف، ودخل غيره إما نصًّا في قوله (كل مسجد) أو بالعموم.

فإن قيل: قوله ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، يلغي الطواف؛ لأن الطواف لا يكون إلا في مسجد واحد.

قيل: هذا يؤكد ما قلناه من أن الآية قصد بها عورة النظر، لا عورة العبادة، فلم


(١) انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (٤/ ٤٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>