فكانت الآية قد نزلت في عورة النظر، لا في عورة العبادة؛ لأن الكفار ليسوا من أهل العبادة، ولذلك صدر الله سبحانه الآية بقوله ﴿يَا بَنِي آَدَمَ﴾ فدخل فيها المسلم والكافر، ولو كان خطابًا للمسلمين لقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ كما هو معلوم من خطاب القرآن الكريم.
ومحال أن تكون الآية في عورة العبادة؛ والكافر لا يصح منه الطواف إجماعًا فضلًا أن يؤمر بفروع من ستر العورة أوالطهارة ونحو ذلك.
وإذا كانت الآية في عورة النظر فإن كشفها محرم إجماعًا، والكافر مخاطب في المنهيات من فروع الشريعة، كما يخاطب بأن لا يزني ولا يسرق، ولا يشرب الخمر في أسواق المسلمين، ونحو ذلك، وإذا فعل ذلك أخذ به وعوقب.
فلم يَأْتِ أمر مطلق باتخاذ الزينة بالصلاة حتى يستدل به على استحباب الزينة، وإنما الأمر بالآية جاء في حق رجال يلقون زينتهم عند المسجد ويطوفون عراة، ويحرمون بعض الطيبات، ويَدَّعُون أن الله أمرهم بذلك، فقيل لهم: خذوا زينتكم إن الله لا يأمر بالفحشاء، وأمر الله رسوله أن يقول لهم: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، أي لا أحد حرم هذا، ونفي التحريم يعني الإباحة، ولا يعني استحباب أخذ الزينة، ولا استحباب الأكل من الطيبات، كما لو ألقى رجل سراويله، فقلت: له خذ سراويلك، لا تمش عاريًا، لا يكون الأمر متوجهًا للسراويل بخصوصها، بل لكل ما يستر به عورته، ولذلك لا يمكن أن نفهم آية (خذوا زينتكم) حتى نربطها بالآية التي قبلها، والآية التي بعدها.