للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

زِينَتَكُمْ﴾ قال: ما وارى العورة، ولو عباءة» (١).

وجاء في تفسير الواحدي: «قال طاوس: لم يأمرهم بالحرير ولا الديباج، ولكن كان أهل الجاهلية يطوف أحدهم بالبيت عريانًا، ففي ذلك يقول: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١]. وهذا قول جماعة المفسرين» (٢).

وقال الرازي: «الزينة لا تحصل إلا بالستر التام للعورات، ولذلك صار التزيُّن بأجود الثياب في الجمع والأعياد سنة. وأيضًا إنه تعالى قال في الآية المتقدمة:

﴿قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا﴾ [الأعراف: ٢٦] فبين أن اللباس الذي يواري السوءة من قبيل الرياش والزينة، ثم إنه تعالى أمر بأخذ الزينة في هذه الآية فوجب أن يكون المراد من هذه الزينة هو الذي تقدم ذكره في تلك الآية فوجب حمل هذه الزينة على ستر العورة، وأيضًا فقد أجمع المفسرون على أن المراد بالزينة هاهنا لبس الثوب الذي يستر العورة» (٣).

فجعل الزينة قسمين: أحدهما: التزين بأجود الثياب، وخصَّه بالجمع والأعياد.

الثاني: ستر العورة وهذا زينة سائر الصلوات، ونقل إجماع المفسرين على المعنى الثاني.

الجواب الثاني:

(ث-٢٠١) أن سبب نزول الآية هو ما رواه مسلم من طريق شعبة، عن سلمة ابن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير،

عن ابن عباس، قال: كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانة، فتقول: من يعيرني تطوافًا؟ تجعله على فرجها، وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله … فما بدا منه فلا أحله

فنزلت هذه الآية ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١] (٤).

وتفسير الصحابي إذا كان له تعلق بسبب النزول كان له حكم الرفع، ولهذا أمر النبي ألا يطوف بالبيت عريان، ولم يأمر بالزينة للطواف، وهو دليل على ما يفهم من الآية وأنها في ستر العورة، وليس في أخذ مطلق الزينة (٥).


(١) رواه الطبري في تفسيره ط دار هجر (١٠/ ١٥٢) من طريق يحيى بن سعيد، وأبي عاصم، وعبد الله بن داود، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، وسنده صحيح.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٨٣٧٨) حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عثمان بن الأسود به. ومن طريق عبيد الله بن موسى أخرجه البيهقي في المعرفة (٣/ ١٤٩).
وذكر الماوردي في تفسيره (٢/ ٢١٧) المسمى النكت والعيون أربعة أقوال في تفسير الزينة:
أحدها: أن ذلك وارد في ستر العورة في الطواف على ما تقدم ذكره قاله ابن عباس والحسن وعطاء وقتادة وسعيد بن جبير وإبراهيم.
والثاني: أنه وارد في ستر العورة في الصلاة قاله مجاهد والزجاج.
والثالث: أنه وارد في التزين بأجمل اللباس في الجمع والأعياد.
والرابع: أنه أراد به المشط لتسريح اللحية. اه
فتدرج الماوردي في حكاية الأقوال من الأقوى إلى القوي إلى الضعيف، إلى الأضعف، فقدم القول بأنها وردت في ستر العورة في الطواف، وإنما كان هذا أقواها استنادًا لسبب النزول.
والثاني: ستر العورة في الصلاة، وجعله يأتي بعد القول الأول، لقوله: (عند كل مسجد)، وكلا القولين في غير الزينة، وإنما هو في ستر العورة.
والثالث: أنها وردت في التزين بأجمل اللباس، وهذا وضعه في القول ما قبل الأخير، وخصه في الجمع والأعياد لعلمه أن الصلوات الخمس لا يطلب لها التزين والتجمل.
وأضعفها القول الأخير، وهو أن المعنيَّ بالزينة هو تسريح اللحية بالمشط.
(٢) التفسير الوسيط للواحدي (٢/ ٣٦٣).
(٣) تفسير الرازي (١٤/ ٢٢٩).
(٤) صحيح مسلم (٣٠٢٨).
(٥) أخرجه البخاري (١٦٢٢) ومسلم (١٩٤٦) من طريق الزهري، حدثني حميد بن
عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.

<<  <  ج: ص:  >  >>