وهل قول ابن عمر ظاهره وجوب الثوبين للصلاة، أو يحتمل أن يكون ذلك على سبيل الاستحباب؛ كما يفيده أفعل التفضيل في قوله (الله أحق من تزين له)، ولأن هذا من باب الزينة، وليس من باب ستر العورة، والزينة للصلاة لا تبلغ الوجوب؟
يحتمل أن يكون إنكاره على نافع لتركه المستحب، فالقوم كانوا من الحرص على الخير، بحيث كانوا ينكرون على تارك المندوب كما لو ترك واجبًا من الواجبات، خاصة إذا كان التارك ممن استرعاهم الله من ولد أو زوج أو مولى.
ويحتمل أن يكون إنكاره لترك ما هو واجب، وتعليله بالزينة لا ينافي الوجوب، فقد يقال: إن الواجب في الصلاة أمر زائد على قدر ستر العورة التي يجب سترها عن النظر، ولذلك أمر بوضع شيء على العاتق، وهو ليس عورة في النظر، ولا تصح صلاة المرأة الحرة دون خمار، وإن لم يكن عورة في النظر، فيباح لها وضع خمارها عند محارمها.
وعلى كل حال، فليس قول ابن عمر صريحًا أنه يذهب إلى القول بوجوب الصلاة في الثوبين كما هو قول ابن مسعود، وليس المطلوب في العاتق ستره حتى يستدل به على وجوب الزينة، وإنما المطلوب أن يضع شيئًا من ثوبه على عاتقيه مهما يكن قليلًا، مخالفًا بين طرفي الثوب إذا صلى في ثوب واحد؛ حتى لا يسقط ثوبه في أثناء الصلاة، فتنكشف عورته، وستر المرأة رأسها، ليس من باب الزينة، فالزينة في كشفه أظهر، وإنما أبيح كشفه للمحارم تخفيفًا ورحمة؛ إذ لو وجب ستره لَلَحِقَ بذلك حرج ومشقة لوجودهم في البيت، وتكرار دخولهم على محارمهم، والمشقة تجلب التيسير، فإذا صلت غطت رأسها لكونه عورة في حق الأجانب، والله أعلم.
وإذا خلصنا من تحرير الأقوال، ودلالتها على الوجوب نأتي لاستعراض أدلة القوم على ما ذهبوا إليه.
• دليل من قال: يجوز الصلاة في الثوب الواحد:
الدليل الأول:
(ح-٧٦٤) ما رواه البخاري من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد،
(١) سيأتي إن شاء الله تعالى تمام تخريجه في الأدلة.