الصحابي إذا لم يعارض نصًّا، ولم يعارضه قول صحابي آخر، فهو حجة أيضًا، وإن لم يكن بمنزلة النص، فالصحابي أقدر على فهم أحكام الشرع، لأخذه من الرسول ﷺ مباشرة، فقد عاش في مجتمع لم تعرف البشرية أنقى ولا أتقى منه، فَلَإِنْ كان رسولنا ﵊ خير الرسل فإن صحابته خير الناس بعد الرسل، فهم خير القرون، وقد رباهم رسول الله ﷺ بحكمته، خاصة إذا كان هذا القول قد جاء من مثل ابن مسعود ﵁، وهو صاحب حظوة من الرسول ﷺ، حتى عُدَّ من أهل بيته ﷺ، وكان ابن مسعود قد تأثر بفقه عمر ﵁، وبفقه غيره من كبار فقهاء الصحابة، وهو صاحب مدرسة فقهية تأثر به كبار فقهاء أهل العراق، كالثوري وأبي حنفية.
• ويجاب على هذا الرد من وجهين أيضًا:
أحدهما: بأن قول الصحابي عند من يرى الاحتجاج به مشروط ألا يخالف نصًّا، ولا يخالف قول صحابي آخر، وقد خالفه قول ابن عباس وابن عمر في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١]، قالوا: الوجه والكفان، وسبق تخريج الأثر عنهما.
الثاني: أن الحديث ظاهره أن المرأة كلها عورة، وهذا لا يمكن حمله على عورة الصلاة؛ للإجماع على أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة.
ولا يمكن حمله على عورة النظر؛ لأنه يجوز للمرأة أن تظهر للمرأة ولمحارمها ما يظهر منها غالبًا كالوجه واليدين والقدمين، وإلى مواضع الوضوء منها حيث كان الرجال المحارم والنساء يتوضؤون جميعًا.
فكان إطلاق الأثر ليس صحيحًا؛ ولو كان صادرًا من المعصوم لما وجدت فيه هذا الاختلاف.
• ورد هذا:
بأن العموم قد يطلق ويراد به الخصوص، فالأثر يتكلم عن عورة المرأة في خروجها من بيتها، وليس في عورة المرأة في صلاتها، ولا في عورتها في بيتها عند محارمها، لهذا لا أرى استدلال الحنابلة بعموم هذا الأثر على عورة كفي المرأة