ولو أنهم عكسوا لكان أولى لهم ذلك أن التكليف يناط بالعلم، ومع الجهل لا تكليف، وأما الناسي فهو وإن اعتبر عذرًا حال النسيان إلا أنه لا يرفع أهلية التكليف كالنوم، ولذلك لو أتت الصلاة على الناسي والنائم من دخول الوقت إلى خروجه لم تسقط عنه الصلاة بحجة النوم والنسيان، ويجب عليه الصلاة إذا تذكر أو استيقظ، وهذا دليل على أهلية تكليفه.
فالمنهيات تسقط بالجهل والنسيان، كمن صلى وثوبه نجس ناسيًا أو جاهلًا صحت صلاته.
والمأمورات تسقط بالجهل، ولا تسقط بالنسيان، فالمستحاضة التي تركت الصلاة جهلًا منها لم تؤمر بالإعادة، ولو ترك المكلف الصلاة نسيانًا لم تسقط عنه الصلاة فثبت الفرق بين الجهل والنسيان.
ومنهم من يفرق بين من يمكنه التعلم، فيفرط في طلبه فيكلف الإعادة لأن مثله ليس محلًّا للتخفيف فلا يعذر، وبين من لا يمكنه العلم، كحديث عهد بالإسلام، وكذا من نشأ في دار حرب، أو في بادية بعيدة عن أهل العلم.
وأما المالكية فاعتبروا أن التعمد في ترك الواجب، ولو في الصلاة لا يبطلها، فرقًا بينه وبين الشرط، والجمهور على الفرق بين ترك واجب لها، وبين ترك واجب فيها، فالأول لا تبطل الصلاة بتعمد تركه بخلاف الثاني.
وإذا كان هذا قول المالكية فيمن تعمد ترك الواجب، فمن باب أولى من تركه وهو جاهل ألا تبطل صلاته.
والأصل أن الجهل يرفع الإثم، وإنما وقع النزاع في رفع الحكم المترتب على الجهل.
قال السيوطي:«اعلم أن قاعدة الفقه أن النسيان والجهل مُسْقِطٌ للإثم مطلقًا … »(١).
• دليل من قال: يسقط الترتيب بالجهل:
الدليل الأول:
قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾. [الإسراء: ١٥].