للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

دلت الآية أن الله لا يعذب أحدًا من خلقه حتى يبعث إليهم من يقيم الحجة عليهم.

الدليل الثاني:

أحاديث كثيرة في الشرع تبين أن التكليف يناط بالعلم، من ذلك:

حديث المسيء صلاته وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة، حيث لم يطلب منه إعادة تلك الصلوات. ومثله المستحاضة حيث كانت تتوهم أن دمها دم حيض، فجاءت إلى الرسول ، وهي تشكو له بأنها حبستها عن الصلاة والصيام، ولم يطلب منها الرسول فعل الصلوات التي تركتها. ومنها صلاة عمار حين أجنب، مع أنه لم يأتِ بالصفة المشروعة في التيمم، وإنما تمرغ كما تتمرغ الدابة، ومنها صاحب العقالين عندما أكل متوهمًا أنهما الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يؤمر بالقضاء، ومنها لما أفطر الصحابة في يوم غيم ظنًّا منهم أن الشمس قد غربت، ثم طلعت الشمس، وعمل لم يصل مع عمار، ولم يأمر النبي عمر بالصلاة، وكل هذه الأحاديث مخرجة في الصحيح، ولم ينقل أنهم قضوا، فقصر الحكم على هذه النصوص فقط نزعة ظاهرية، وتحكم يأباه العقل والنقل، وتوهم أنهم ربما أمروا بالقضاء ولم ينقل بعيد جدًّا، إذ لو أمروا لنقل إلينا؛ لأن الشريعة محفوظة بحفظ الشارع لها (١).

الدليل الثالث:

حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي أمر بنيه إذا مات أن يحرَّق في النار، ثم يطحن، ثم يذرى في الريح، وفيه قال: فوالله لئن قدر عليَّ ربي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا، فلما مات فُعِلَ به ذلك، فأمر الله به الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك، فغفر له (٢).

قال ابن تيمية: «هذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل من هذين الاعتقادين كفرٌ يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله


(١) انظر: الموافقات (١/ ١٦٨).
(٢) البخاري (٣٤٨١)، ومسلم (٢٧٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>